أما المسؤولية السياسية فتكون إما أخلاقية في صورة مسؤولية قانونية عندما تكون هناك مخال مسؤولية َوفقا لنص قانوني، وتظهر في صورة أخلاقية عندما تكون المخالفة ليست في نص قانوني وإنما في مخالفة واقعة في قواعد الأخلاق. فإذا كانت المسؤولية كذلك، فما مدى مسؤولية رئيس الدولة سياسي وجنائي ؟
أضافت ( المادة 159) من دستور مصر لسنة 2014 الي حـــــــــــــالات المسؤولية الجنائيــــــة والخيانـــــــــــــــة العظمى لرئيس الجمهورية حالة جديدة هي حالة انتهاك أحكام الدستور،(73) حيث نصت على انه (( يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو بالخيانة العظمى أو أية جنايــــــــــة أخرى، بناء علـــــى طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل)) ولكن الأهم من ذلك هو” المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية التي تقررت في مادة جديدة من نوعها في دستور 2014 ، وهي ( المادة 161)” حيث نصت على انه (( يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقــــــة من رئيس الجمهورية ، وأجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل ، وموافقة ثلثي أعضائه ، وبمجرد الموافقـــــــــة على سحب الثقـــــــــــــــــــة ، يطرح امـــــــــــــــر سحب الثقـــــــة من رئيس الجمهورية وأجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عــــــــــــــام، بدعــــــــــــــــــــوة من رئيس مجلس الوزراء، فاذا وافقت الأغلبية على سحب الثقــــــــــــــــــــــة ، يعفى رئيس الجمهوريــــــــــة من منصبه ، وتجري انتخابات رئاسية مبكرة من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء ، واذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض ، عــــــــــــــــد مجلس النواب منحلا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب))(74)
يمكن ملاحظة ان” دستوري مصر لسنة 1971، 2012 ، لم ينصا على إمكانية سحب الثقة من رئيس الجمهورية من جانب البرلمــــــــــــــان، كمـــا في دستور 2014 وهذا ما يعكس إعطاء بعض الصلاحيــــات للبرلمــــــان مقابل تقليص صلاحيات الرئيس”
ورغم ان الرئيس مسؤول أمام البرلمــــــــــــــان ، قادرا على سحب الثقة من الرئيس ، لكنه يبقى مهدد بالحل اذا أساء استخدام السلطة (75)
إجراءات الاتهام والمحاكمة
حيث يتم مساءلة رئيس الجمهورية جزائيا في مرحلتين وكما يلي :
أولا : سلطة توجيه الاتهام : اسند دستور مصر لسنة 2014 ،( كما في دستور 1971المادة 85 منه، ودستور2012 المادة 152) منه سلطة توجيه الاتهام الي مجلس النواب في (المادة 159) منــــه ، حيث نصت على انه (( يكون اتهام رئيس الجمهورية ، بانتهاك أحكام الدستور أو الخيانة العظمى أو أية جنايــــــة أخرى ، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل ، ولا يصـــدر قــــــــــــــرار الاتهام الأغلبية ثلثي أعضاء المجلس
” وينحصر الخلاف في المادة 85 من دستور 1971، والمـــــــادة 152 من دستور 2012، ان المادة 159 من دستور 2014 نصت على اتهام رئيس الجمهورية بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب وليس ثلث الأعضاء ، كما نصت صراحة على قرار الاتهام لا يصدر إلا بعد تحقيق يجريه معه النائب العام ” (76)
وبمجرد صدور القرار يوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعا مؤقتا يحول دون مباشرته لاختصاصاته حتى صدور حكم في الدعوى
وينظم القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة ، واذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية اعفى من منصبه مع عدم الأخلال بالعقوبات الأخرى (77)
ولكون القانون الجديد لم يصدر لحد الأن ،” على الرغم من تناسخ النص عليه في دساتير مصر السابقة منذ عام 1956 ، عليه تسري على اتهام رئيس الجمهورية الإجراءات المنصوص عليها في القانون ( رقم 247 لسنة 1956)* بخصوص محاكمة رئيس الجمهورية والذي ما زال ساريــــــــــا حتى
الأن” (78)
ثانيا: الجهة المختصة بمساءلة الرئيس (المحكمة ):
يحاكم رئيس الجمهورية أمام دستور 2014يراسها رئيس مجلس القضاء الأعلى ، وعضوية اقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، واقدم نائب لرئيس مجلس الدولة ، واقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف ، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام ، واذا قام بأحدهم مانع ، حل محله من يليه في الأقدمية ، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن (79)0
وقد حددت نص المادة 159 من دستور 2014 وكذلك نص المادة 6 من قانون رقم 247 لسنة 1956 العقوبات الواجبة التطبيق على رئيس الجمهورية
فوفقا للمادة 159 من دستور 2014 (( 000 اذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية ، اعفي من منصبه ، مع عدم الأخلال بالعقوبات الأخرى))
وطبقا للمادة 6 من قانون رقم 247 لسنة 1956 (( يعاقب رئيس الجمهورية بالإعدام أو الإشعال الشاقــــــــــة المؤبدة أو المؤقتة ، اذا ارتكب عملا من أعمال الخيانة العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهوري )) (80)
يمكن القول” انه رغم الإيجابيات الغير مسبوقة لدستور2014 وخاصة في مـــــــــواد الحقوق والحريات والصحــــة والتعليم ، كذلك بعض مواد الحكم التي تحقق التوازن بين السلطات بدأ بصلاحيات البرلمان وإمكانية سحب الثقة من رئيس الجمهورية ، وكذلك سحب الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء وإمكانية محاكمتهم “(81)0
لكن هذا لا يمنع من ان الدستور جــــــــــــــــاء بالعديد من السلبيـــــــــــــــــــــات منها على سبيل المثال ، “إعطاء رئيس الجمهورية الحق في تعين 5% من أعضاء مجلس النواب ، بما يعني ان رئيس الجمهورية سيعين ما لا يقل عن (22 نائب) من مجموع عــــــــــــــــدد أعضاء البرلمان والبالغ عـــــــــــددهم 450 عضوا حسب ما جـــــاء (بالمادة 102) من الدستور ، وهو عدد كبير ومرجح سياسي بل يعادل كتلة برلمانيـــــــــة لصالح رئيس الجمهوريــــــــــــــــة ان أراد هـــــــــو ذلك “(82)
كذلك فيما يتعلق( بالمادة 137) بخصوص” سلطة رئيس الجمهوريــــــــــــة في حل مجلس النواب بعـــــــــــد استفتاء الشعب ، ففي حالة رفض الشعب حل البرلمان فانه لا يترتب على ذلك استقالة الرئيس ، رغم ان( المادة 161) اعتبرت مجلس النواب منحلا اذا اقترح المجلس سحب الثقة من رئيس الجمهورية ولم يوافق الشعب على ذلك في الاستفتاء، فالرئيس يقترح حل البرلمان دون خطر على منصبه ، أما مجلس النواب فان اقتراحه سحب الثقة من الرئيس يعرضه للحل في حالة رفض الشعب” ، الأمر الذي لا يحقق التوازن المطلوب بين سلطة الرئيس وسلطة البرلمان (83)
الخاتمــــــة
الاستنتاجات:
في ضوء ما تقدم سوف نستعرض طبيعة نظام الحكم في مصر ، والمواد 85 ، 152 ،159 الخاصة بمسؤولية رئيس الدولة في دساتير مصر لسنة 1971، 2012، 2014
ـــ ان النظام الحكم في مصر حسب دستور 1971 و دستور2012 و دستور 2014 هو” نظــــام شبه رئاسي لا نه يجمع بين نظامين سياسيين هما (الجمهورية الرئاسية والجمهورية البرلمانية) مع إعطاء الرئيس كل السلطات والمميزات الواردة في النظامين”
ـــ توالت النصوص الدستورية في الموا1971،ه على ان يكون اتهام رئيس الجمهوريـــــــــــــــــة من اختصاص
السلطة التشريعية (مجلس الشعب دستور 1971 ، ومجلس النواب دستوري 2012 و2014 )0
ـــ لم يأتي دستور 2014 بجديد بالنسبة لمسؤولية رئيس الجمهورية، عن دستوري 1971، 2012 ، في المواد 85 ، 152، إلا فيما يتعلق” بالأغلبية المطلوبة لتقديم طلب الاتهام، حيث تم تعديلها حسب ما
جاء بالمادة 159، لتصبح أغلبية الأعضاء بدلا من ثلث الأعضاء ، وكذلك أضافت حالة (انتهاك الدستور) الي اتهــــام رئيس الجمهورية”
ـــ كذلك فقد” توالت النصوص الدستورية في المواد 85 ،152 ،159 بان يحاكم الرئيس أمام (محكمـــــــــــة خاصة) وان ينظم القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة ويحدد العقوبة ، بخلاف المادة 159 من دستور 2014 لم تشير الي تحديد العقوبة ، وهذا الأمر يفتح باب التأويل، كما ان القانون لم يصدر في حينه ولحد الأن”
ـــ نصت المواد أعلاه على المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية ولكنها لم تنص على مسؤوليته السياسية
باستثناء ما جاء في دستور 2014 المادة 161، حيث قررت انه يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية بأغلبية خاصة، ثم يقرر الشعب في استفتاء أما سحب الثقـــــــــــــة من الرئيس فيخلو منصبه أو تأكيد الثقة في الرئيس فيحل مجلس النواب
التوصيـــــــــــــات
ان المشكلة في مصر” لم تعد مشكلة رئيس يذهب ويأتي رئيس اخر بعد ثورة ، ومــــــــــــــزيد من الدمـــــــاء المصرية والخسائر البشرية التي ينبغي عليها بناء مجتمعها بــــــدلا من ان تنظر لكيفية إسقاط حاكمها المستبد ، ولكن المشكلة أصبحت ابعد من ذلك واعــــــــقد، فاذا اردنا حلأ جذريا، يجب بإيجاد وسائل واضحة وصحيحة وأليات معاونة في ذلك ، فالحل هو ليس في تقيد صلاحيات الرئيس ببنود دستورية فقط ، وإنما تظافر كل مؤسسات الدولـــــة، للبحث عن اليات فاعلة ومؤثرة محاسبة رئيس الجمهورية”
يتميز موضوع تفعيل أليات محاسبة رئيس الجمهورية بتعدد الأطراف الفاعلة فيه، يستدعي العمــــل على العديد من الجوانب وثم تقديم التوصيات التالية:
ـــــ تحديد واضح وصريح لصلاحيات رئيس الجمهورية بما يلائم الشكل السياسي الذي سيكـــــون عليه النظام
السياسي، ولكن بشرط” وجود نصوص وألية واضحة في الدستور بشأن محاسبــــة الرئيس اذا تعــــــــــــــدى في ممارسته لصلاحياتــــــه المحدود التي رسمها له الدستور أو القانون”
ـــــ وان يتم” سن قانون خاص باتهام ومحاكمة رئيس الجمهورية ، بشرط ان يكون مكمل لأحكام الدستور،
ويختص بالإجراءات الواجب اتباعها في مرحلتي الاتهام والمحاكمة” وكذلك” تحديد العقوبات التي يجوب
تطبيقها في حالة الإدانة، وضرورة وضع وقت محدد في الدستور لغرض سن القانون وعدم التغافل عنه”
ـــــ تقليص سلطة رئيس الدولة في إصدار قرارات لها قوة القانون، وقصر ذلك على حالة حل البرلمان دون
عطلته التي يمكن ان يلتئم فيها البرلمان لإقرار ما تمس الحاجة اليه من تشريعات
ـــــ تقليص صلاحيــات رئيس الجمهورية في أحوال الطواري من خلال وتقوية شوكـــــــــــــــة مجلس النواب والرقابة على الإجراءات المتخذة من قبل الدولة للتصدي لهذه الحالات،” والابتعاد عن إقامة الهيئات الاستثنائيـة أو إحالة المدنيين الي محاكم عسكريــــــة، وتعظيم دور الحكومة في مواجهـة مؤسسة الرئاسة
وإخضاع السلطــــة التنفيذيـــــة لرقابـــــة اكثر صرامـــة من قبل البرلمان”
ــــ ان تتوفر” لمجلس النواب سلطة مناقشة الاتفاقيات الدولية التي يوقع عليها الرئيس قبل التصديق عليهــــــا
وان يكون من حق مجلس النواب رفض أو الغاء أو تعديل أي نص في الاتفاقية من خلال التشاور مع الوزارة المختصة في هذه الاتفاقيات “، وان يتم اطلاع واستفتاء الشعب على الاتفاقيات التي تمس سيادة الدولة وامنها،” وان لا تتضمن المعاهدات أية بنود سرية تتعارض مع نصوصها المعلنة”
ـــــ لابدان يتوفر في الدستور بند يعمل على إلا يملك الرئيس صلاحية حل مجلس النواب ، ولا يتم حـــــــــــــل المجلس إلا بناءأ على استفتاء شعبي ، كما يجب ان لا يملك الرئيس صلاحيـــــــــة إعلان الحرب إلا بموافقة البرلمان
ـــــ تفعيل قانون” بشأن تقديم إقرار الذمة المالية الذي ينص على ان كل من يريد ترشيح نفســــــــــــــــه لرئاســــــــــــة الجمهورية تقديم إقرار لذمته المالية، وذلك تأكيدا على مبدأ الشفافية وحق المواطن في معرفـة حجم ثروة المرشحين، بعد توليه منصب الرئيس وقبل توليه مهام منصبه ،ثم يقدم إقرارا جديدا كل 5 سنوات أثنــــــــاء فترة وجوده في الرئاسة ، وبعد خروجه من المنصب، ويتم إعلانها على الرأي العام في وسائل الأعلام”
ــــــ تعديل المادة التي عن طريقها يتم توجيه الاتهام لرئيس الجمهورية والمادة التي تقترح سحب الثقــــــــــــــــــة من الرئيس ، لتصبح ((بناءأ على اقتراح مقدم 10 أعضاء من مجلس النواب (بدلا من ثلث أو أغلبية الأعضاء) على ان تتم الموافقة على هذا الاقتراح من ثلث أعضاء المجلس (بدلا من ثلثي الأعضاء ) ويتم مساءلة الرئيس بناءأ على ذلك ،” لان الأغلبية المطلوبة لاتهام رئيس الجمهورية أو لاقتراح سحب الثقة منه امر من الصعب تحقيقه خاصة اذا كان الأعضاء من نفس الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس”
ــــــ وان تكون مساءلة رئيس الجمهورية في جلسة علنية وليست سرية حتى تصبح على مرأى ومسمــــــــــــــــع الرأي العام وتلقى أما تأييد أو رفض الرأي العــــــــــام،” وإسهام الناخبين في تحريك مسؤوليــــــــــة رئيس الجمهوريــة من خــلال إضافة نص الي الدستور يسمح لعدد من الناخبين بتقديـــــم اقتراح الي مجلس النواب يتضمـــن توجيه الاتهــــــــــــام لرئيس الجمهورية في حالة ارتكابه لفعل يعـــــد من العناصر المكونة لحـــــــــــالات المسؤوليــــــة”
وعليه فان الضمان الوحيد لمغزى المسؤولية السياسية هي” اليه محاسبة رئيس الدولـــــة ونزاهــــة المحاكمة ، فاذا تم توجيه الاتهام لرئيس الدولة على أساس الألية المحددة في صلب الدستور وتم تفعيل الاتهام على أساس ديمقراطي واحترام إرادة الجهة الموجهة الاتهام ، وجرت محاكمة نزيهـــة” ، فتكون بلا شك المسؤوليـــة السياسيــــة خير ضمان على وجود رئيس يتمتع بالكفاءة والنزاهـــــــــــــــة والولاء للوطن والمواطنة