يشكل الشباب رحى المجتمع وعماده، ومصدر قوته، وتماسك نظمه و أنساقه؛ فالمجتمعات التي تعير الاهتمام لرعيل الشباب، وتنبري للذود عن حقوقه وتطلعاته وطموحاته، تفتح مصراعيها على عوالم الاستمرارية والتجدد والنماء والنهضة والرقي، بينما التي لا تعبأ بوجوده، ولا تكترث لأمره، تفرض على نفسها واقع النكوص والتفكك والانهيار؛ من هذا المنطلق غدا موضوع الشباب الإشكال الذي يقض مضجع الحكومات، ويؤرق فكر الساسة والمدراء، لما يتميز به من أهمية قصوى في الدفع قدما بالدول، وإنجاح واقع الإصلاحات والسياسات . فعلاوة على كونه مدخلا حقيقيا لتنمية المجتمعات والنهوض بشؤونها، يعتبر الشباب كذلك ترياق الأزمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ؛ بانخراطه الفعال في تدبير الشأن العام، ومشاركته السياسية الواعية، وبجهوده الفكرية الحثيثة، وفتوته وقوته ويقظته، فضلا عن إسهامات أخرى في مجالات عديدة، لكنه في المقابل قد يصبح عالة ومصدر إزعاج للمجتمع وعقبة في تطوره وتقدمه، حينما تنعدم فرص اندماجه ومشاركته وانخراطه، أو عندما يطاله التهميش والاستبعاد الذي يجعله غريبا في وطنه، مغتربا في هويته ووجوده؛ حيث لا يجد من يحتضن مواهبه، أو يقدر إسهاماته، ويوفر له البيئة المناسبة للتعبير عن اختياراته وتصوراته وممارسة قناعاته، ويروي ظمأه الوجودي والمعرفي والاجتماعي، ويلملم جراحه .
وبخصوص الشباب، نؤكد على أن الحكومة ستجعل من قضايا الشباب أولوية استراتيجية وورشا حكوميا أفقيا يتجاوز النظرة القطاعية ويتجه إلى بلورة تصور استراتيجي شمولي ينسق ويدعم جهود كل المتدخلين في قضايا الشباب، وفق مقاربة تشاركية مع كل الفاعلين السياسيين والجمعويين في مجال الشباب.
كما سيتم فتح حوار وطني شبابي متواصل وإرساء المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي وإنشاء مجالس جهوية للشباب، وإحداث بنيات التأطير والتوجيه، وتشجيع مساهمة الشباب في الحياة السياسية وانخراطه في العمل الجمعوي والفكري و تأهيل الفضاءات والتجهيزات الثقافية المخصصة للشباب ، ودعم “المعهد الوطني للديمقراطية والشباب”.
وسيتم اعتماد استراتيجية وطنية مندمجة للشباب تقوم على توسيع شبكة الفضاءات الشبابية عبر الاستفادة من فضاءات المؤسسات التعليمية، ودعم الجمعيات العاملة في تأطير الشباب القروي، و إدماج هذا الأخير في برامج القرب، وإطلاق مشروع لتنظيم قوافل المواطنة الشبابية، ودعم برامج السياحة الثقافية والسياسية للشباب داخل المغرب و خارجه، ورفع عدد المستفيدين من برنامج العطلة للجميع خلال الولاية التشريعية إلى 1 مليون ونصف مستفيد ومستفيدة، وإشراك الشباب في تصميم وتنفيذ حملات متنوعة للتوعية تستهدف نشر ثقافة النجاح بين الشباب وإعلاء القيم الإيجابية ومواجهة الآفات الاجتماعية. و توعية الشباب ضد الأخطار الاجتماعية عن طريق وسائل الإعلام العمومي والمدرسة والجامعة وخاصة المخاطر المتعلقة بالإدمان والجريمة والعنف والاستغلال الجنسي والانحراف.
تعزيز مكانة المجتمع المدني:
وستسعى الحكومة إلى تعزيز مكانة المجتمع المدني في مختلف حلقات تدبير الشأن العام وتقييمه وصياغة سياساته، عبر الإسراع بوضع الإطار القانوني المنظم لذلك على ضوء الدستور وخاصة ما يهم دوره في المجال التشريعي، والعمل على اعتماد سياسة جمعوية فعالة، وإقرار معايير شفافة لتمويل برامج الجمعيات وإقرار آليات لمنع الجمع بين التمويلات، واعتماد طلب العروض في مجال دعم المشاريع، ومراجعة سياسة التكوين الموجهة للجمعيات، بما يرفع من فعاليتها، وبما يمكن من تعميم الاستفادة لفائدة أعضاء الجمعيات.
توفير شروط إقلاع رياضي:
وفي نفس السياق، ستعمل الحكومة على توفير شروط إقلاع رياضي حقيقي، وذلك بإرساء سياسة رياضية وطنية شاملة تستجيب لحاجيات المجتمع، وذلك من خلال تبني “ميثاق الرياضة للجميع” وتطوير الرياضة الجماهيرية على مستوى الأحياء والمؤسسات المدرسية والجامعية، وكذا دعم الاختيارات البناءة والطموحة على مستوى “رياضة النخبة” كتكوين أبطال في مستوى تطلعاتنا الوطنية والدولية، مما يستوجب مراجعة عميقة لحكامة القطاع الرياضي على أسس الديمقراطية والجهوية والتخطيط والشراكة مع الجمعيات والأندية.
النهوض بحقوق الطفولة وحمايتها:
وبخصوص النهوض بحقوق الطفولة وحمايتها، ستعمل الحكومة على تقوية السياسات العمومية في هذا المجال من خلال دعم آليات التنسيق الوطنية بين القطاعات، وإعداد المرحلة الثانية من خطة العمل الوطنية للطفولة وبلورة برامج الالتقائية المجالية لحماية الطفولة في وضعية صعبة والعمل على مأسسة آليات التبليغ واليقظة والوقاية من كل أشكال العنف ضد الأطفال، خاصة ضحايا الاستغلال الجنسي والتجاري والمشردين والمهملين، مع تطوير الخطة الوطنية للطفولة.
العناية بذوي الاحتياجات الخاصة:
وبخصوص العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، فستعمل الحكومة على وضع مخطط استراتيجي جديد يرتكز على تحيين البحث الوطني حول الإعاقة ووضع إطار تشريعي شامل ومندمج يهدف إلى تعزيز الإدماج الاجتماعي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وإحداث صندوق خاص لدعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وضمان الحق في التعليم والحق في الشغل وتعزيز دور المجتمع المدني في النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
دعم الأشخاص المسنين:
وبخصوص الأشخاص المسنين، ستعمل الحكومة على دعم الأشخاص المسنين الذين لا يتوفرون على موارد كافية وتأهيل المؤسسات الاجتماعية المستقبلة للمسنين وتأهيل مواردها البشرية، وحث الجمعيات المحلية على تنظيم أنشطة ترفيهية واستجمامية لفائدتهم وتعزيز قدرات الجمعيات التي تعنى بأوضاع الأشخاص المسنين.
تنمية الطبقة الوسطى:
كما ستعمل الحكومة على تنمية الطبقة الوسطى بهدف دعمها وتنميتها وتوسيعها بتشجيع الارتقاء الاجتماعي وجعل المدرسة في صلب هذا الارتقاء ودعم الانتماء إلى الطبقة الوسطى وتحسين مستوى عيشها عبر تحسين قدرتها الشرائية وتجويد شبكات الحماية الاجتماعية وتحسين العرض الصحي، والعرض على مستوى التعليم والثقافة والسياحة والترفيه، والعرض على مستوى النقل العمومي.
حـتـى تـكـون سياسات الشباب قوية وفعالة، عليها أن تمتثل وتتعامل مع عدد من العوامل، وهناك عدة طرق لـتـصـنـيـف ماهية سياسات الشباب، ذلك لأن سياسات الشباب أكثر من مجرد قائمة قضايا يجب تغطيتها، فهي أيضاً تشمل المنهجية والمنتفعين وأصحاب المصلحة والموازنات وغيرها . وفي هذا الصدد، لابد من التفريق بين «القانون” و «الاستراتيجية” و «السياسة”، فمن ناحية، القانون هو مجموعة قواعد التصرف التي تجيز وتحدد حدود العلاقات والحقوق بين الناس والمنظمات، والعلاقة التبادلية بين الفرد والدولة والتي تفرضها دولة ما، بهدف تنظيم أفعال وتعامل أفراد المجتمع.
أما السياسة(policy) هي مجموعة مبادئ للأفعال يتم تطويرها أو اقتراحها من قبل الحكومة أو الهيئات غير الحكومية في سبيل الوصول إلى هدف مرغوب فيه، ويهدف إلى تأطير القرارات أو بيانات النوايا، وهـي مـسـار عـمـل واضح يتم اتخاذه لتعزيز الممارسة الـفـضـلـى والـوصـول إلى نتيجة مـرغـوب فيها.
وأخيرا، الاستراتيجية هـي خطة أو سـبـيـل لنهج يـطـوره فـرد، أو مجموعة أو منظمة ما للنجاح في الـوصـول إلى غاية أو هدف كلي.
مع ذلك، عند التفكير باستراتيجية الشباب، لا بد من التفكير بالجزئيات حيث تتضمن كل التفاصيل والإجراءات والخطوات التي يجب إتباعها بالترتيب للوصول إلى الأهداف المنشودة من الاستراتيجية، لذا فإن سياسة الشباب تتضمن قاعدة أو توجيه معين بينما استراتيجية الشباب هي المنهجية المستخدمة لتحقيق الغايات المستهدفة كما حددتها السياسة والاستراتيجية معنيتان بالوصول إلى الأهداف التنظيمية للمنظمات الحكومية وغير الحكومية. وتتشابه عملية تطوير كلا المفهومين إلا انه في القرارات الاستراتيجية يكون تحديد وتحليل عوامل المشكلة أصـعـب مما هو عليه في القرارات السياسية .