بينما قاسى الناس فيما مضى مظالم الفروق الاجتماعية أعلن الإســـــلام المساواة بين البشر وجعل التفضل بين المسلمين على أساس التقوى والاعتصام بحبل الدين ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) لا على أساس المحتد والجاه والمال والسلطان . يقول النبى صلى الله عليه وسلم :( ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء . الناس من آدم وآدم من تراب ، ان أكرمكم عند الله أتقاكم ). ولقد أزال الإسلام السرية التى أضفاها الآخرون على دراسة الكتب المقدسة ، مؤنبا أولئك الذين لا يحسنون غير تلاوة كلمات الكتاب ، ومشبها أولئك الذين يزعمون أنهم يحتفظون بالتوراة بالحمار الذى يحمل أسفارا . وقد ركز الإسلام دعوته الأولى فى وجوب الاعتراف بوجود اله واحد فى جوهره وفى صفاته وفى أفعاله ، وهو ذو قدرة كلية كاملة ، وهو سيد الكون وسيد يوم الحساب ، ويجب أن يعتمد عليه كل مخلوق ، ويؤمن به ايمانا كاملا لا يعتوره وهن . وكثيرا ما بحث لاهوتيو المسيحية ورجال الدين الإسلامى مسألة الإرادة الإنسانية ، وهل الإنسان حر فى ارادته أو غير حر فيها . وقد اختلفوا فى ذلك طرائق قددا . ولكنهم جميعا كانوا لا ينكرون البدهية السالفة القائلة بالعدل الالهى . فضمير الإنسان نفسه هو الذى يحمل مسئولية أعماله . والله تعالى لا يوصد سبيله فى وجه أحد من عباده ، حتى الآثمين منهم ، فمن تاب وآمن وعمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا . وهو يضفى على كل امرىء القدرة على القيام بالعمل الصالح . هذا الاله القادر على كل شىء ، الشديد العقاب للعاصين ، هو أيضا الرحيم ، الحافظ لعباده ، هادى الاثم الى سواء السبيل ، غافر الذنب وقابل التوب ، مستجيب الدعوات ، مغدق النعمة ، لأن الخير كله بيده . ومن بين الصفات الالهية نجد صفة الحب ، وفى ذلك يقول الله تعالى : ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) . ان معجزة الإسلام الكبرى هى القرآن ، وهو كتاب كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه ، بل هو تنزيل من حكيم حميد . ونحن نقرأ فى هذا الكتاب العظيم – الى جانب اعجازه التام – تنبؤا ببعض أحداث المستقبل ، ووصفا لوقائع حدثت منذ قرون ولكنها كانت مجهولة على وجه العموم ، وفيه كذلك اشارات كثيرة الى نواميس الطبيعة والى علوم مختلفه دينية ودنيوية . وكلما سار العلم قدما فى مدارج الرقى والتقدم وقع العلماء على الكثير من الأسرار القرآنية . ولعل من أخص خصائص القرآن أن نصه ظل صافيا لم تمسسه يد التحريف عبر هذه القرون الطوال التى تراخت ما بين تنزيله ويومنا هذا ، بخلاف بعض الكتب السماوية التى عملت فيها يد التبديل والتحريف . وسوف يظل نص القرآن على حاله تلك من الصفاء والسلامه بإذن الله حتى يرث الله الأرض ومن عليها : ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) . ان انتشار الإسلام السريع لم يتم عن طريق القوة ، ولا بجهود المبشرين الموصولة ، ولكنه تم لأصالته واستقامة مبادئه ومواءمتها للعقل المستقيم والفطرة السليمة . يضاف الى ذلك أمر هام جدا هو أن الإسلام دين يتسم بالبساطه فى جوهره وفى مظهره .. فهو دين يسر لا عسر . ذلك أن الإسلام لا يضع أى حد أمام قوى العقل البشرى ، ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذى تريد .. ففيما يتصل بخلق الكون وأصله يقول الله تعالى : ( أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شىء حى ، أفلا يؤمنون ) . وهذه السهولة البالغة وتلك البساطة المتناهية اللتان يتصف بهما الإسلام هما السبب أيضا فى انتشاره الموصول اليوم بين الشعوب غير المتحضرة فى آسيا وافريقية ، لأن الإسلام قادر على النفاذ الى أعماق نفوسهم من غير ما لجوء الى شروح مطولة أو عظات معقدة .