إن الحكم عند من يكلف به ، مسؤولية فادحة أمام الله ، والحاكم أجيـر عند جمهور المسلمين ، يرعى مصالحهم الدينية والمدنية لقاء ما يأخذ من مرتبات . والحكم فى الإسلام أمانة ثقيلة يوجل منها الأقوياء فكيف يرنوا إليها الضعفاء ؟ إنه ليس جنون العظمة عند محب للسلطة ، ولا الاعتداد بالنفس سواء كان هذا الاعتداد وليد قدرة ذاتية ، أو وليد حالة مرضية ..!! قال أبو بكر الصديق لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة : ( هذا يوم يجلى لى عن غطائى ، وأشاهد جزائى ! إن فرحاً ، فدائم ، وإن ترحاً ، فمقيم ) .. إنى اضطلعت بإمامة هؤلاء الناس حين كان النكوص إضاعة ، والخذل تفريطاً – يعنى أنه ما رغب فى الخلافة ، ولا أحبها ، ولكنه أحس أن الجبن عن قبول المنصب المعروض سيعرض الأمة لفتن شداد ، ولذلك يقول بعد ( ..فشهيدى الله ما كان يقيلنى إياه – ما كان يقبل منى تركـه ..) ويذكر أبو بكر أنه ما أخذ من مال الأمة إلا النزر اليسير ، صفحة فيها لبن من ناقة خصصت له من بيت المال . إن ممثلى الشعب يأكلون هنيئاً ويشربون مريئاً من مال الشعب ، ويقولون عن الدين : إنه أفيون الشعوب ، وعن الأمراء : انهم آكلوا الشعوب ! هل يبقى على قوله : إن الدين يخدر الشعوب ، وإن الخلفاء يأكلون الجماهير ؟ أم يعلم أن آكلى الشعوب قوم آخرين !! وأريد أن أؤكد للشباب أن إقامة دين شىء ، واستيلاء جماعة من الناس على الحكم شىء آخر ، فإن إقامة دين تتطلب مقادير كبيرة من اليقين والإخلاص ونقاوة الصلة بالله ، كما تتطلب خبرة رحبة بالحياة والناس والأصدقاء والخصوم ، ثم حكمة ، تؤديها العناية العليا فى الفعل والترك والسلم والحرب..! ومن الظلم أن أحمل الجيل المعاصر حصاد خيانات اجتماعية وسياسية وقعت من زمان غير قصير ، فكيف تفكرون فى أزالتها بخطط مرتجلة وجهود قاصرة ؟ ولقد رأيت ناسا يتحدثون عن إقامة الدولة الإسلامية لا يعرفون إلا أن الشورى لا تلزم حاكماً ، وأن الزكاة لا تجب إلا فى أربعة أنواع من الزروع والثمار ، وأن وجود هيئات معارضة حرام ، وأن الكلام فى حقوق الإنسان بدعـة .. الخ ، فهل يصلح هؤلاء لشىء ؟! هناك نصاب من الكمال النفسى والعقلى لا بد من تحصيله لمن يريد خدمة الدين ، وإقامة دولة باسمه ، واكتمال النصاب لا يتم بغتة ، وإنما يتكون مع سياسة النفس الطويل .. ومعاذ الله أن أتهم غيرى بسوء النية ، ولكننى أريد تحصين نهضتنا من العلل التى لا تبلغ القصد ، ولا تحقق الهدف .. وكم من طالب حكم لا يدرى شيئاً عن العلاقات الدولية ، والتيارات العالمية ، والمؤامرات السرية والجهرية !.