لَقِيَ حِصانٌ حَكِيمٌ ثَلاثَةَ حَمِيرٍ إخوَةٍ ، في طَرِيقِهِ إِلى الحَقلِ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِم ، ثُمَّ قالَ لَهُمْ :
_ إِلَى أينَ أنتُمْ ذاهِبُونَ يا أبناءَ عَمِّي ؟!
فَقَالَ الحِمارُ الأَكبَرُ :
_ أَنا ذاهِبٌ إِلى مُسابَقَةِ ( الحَيَوانُ الأَذكَى عَقلًا ) !
فَقَالَ الحِصانُ – بِاستِغرابٍ – :
_ وَ هَلْ تَتَوَقَّعُ الفَوزَ مَعَ وُجُودِ ( القِرد )؟!
فَقَالَ الحِمارُ الأَكبَرُ ، بِكّلِّ جَزمٍ ، :
_ بِالتَّأكِيدِ ، بِالتَّأكِيد !
ثُمَّ أَخَذَ الحِمارُ الأَكبَرُ يَرفَعُ ذَيلَهُ ، وَ يُحَرِّكُ أَذُنَيْهِ ، وَ هُوَ يُنشِدُ ناهِقًا ، :
أَنَا الحِمارُ ؛ وَ لِيْ عَقْلٌ وَ لِيْ فِكَرُ
لا (القِردُ) يَملِكُهَا ،كَلَّا،وَ لا (البَشَرُ )!
لِيَ الذَّكاءُ الَّذِي مَا مِثْلُهُ أبَدًا
فَصِيْتُهُ فِي جَمِيعِ الأَرضِ يَنتَشِرُ !
كَشَفْتُ ظاهِرَ أَكوانِيْ وَ باطِنَهَا
فَاللُّغزُ عِندِيْ جَلِيٌّ لَيسَ يَستَتِرُ
أَنا الحِمارُ ، وَ أجدادِي عَباقِرَةٌ
وَ طَالَمَا اختَرَعُوا الأَشيَاءَ وَ ابْتَكَرُوا!
فَقَالَ الحِصانُ الحَكِيمُ لِلحِمارِ الأَوسَطِ :
_ وَ أنتَ إِلى أينَ ذاهِبٌ ؟!
فَقَالَ الحِمارُ الأَوسَطُ :
_ إِلى مُسابَقَةِ ( الحَيَوانُ الأَجمَلُ صَوتًا ) !
فَقَالَ الحِصانُ ، بَتَعَجُّبٍ ، :
_وَ هَل تَتَوَقَّعُ الفَوزَ بِالمَركَزِ الأَوَّلِ ، مَعَ وُجُودِ مُنافِسِكَ طائِرِ
(الشُّحرُور) ؟!
فَقَالَ الحِمَارُ الأَوسَطُ ، بِكُلِّ ثِقَةٍ ، :
_ بالطَّبعِ ، بالطَّبعِ !! ؛ الفَوزُ مَضمُونٌ بِلا أَدنَى نِسبَةِ شَكٍّ !
ثُمَّ أَخَذَ يَمشِي مُختالًا مَادًّا عُنُقَهُ ، و مُكَشِّرًا عَن أسنانِهِ ، وَ هُوَ يُنشِدُ ناهِقًا ، :
أنَا الحِمارُ ، وَ صَوتِيْ كُلُّهُ عَجَبُ
لَحنِيْ رَقِيقٌ إِلَيْهِ النَّفسُ تَنْجَذِبُ !
أَنَا الحِمارُ ، وَ صَوتِيْ حِينَ يَسمَعُهُ
يَكَادُ يُورِقُ مِنْ تَرجِيعِهِ الحَطَبُ !
يَهِيْمُ مِنْ نَغَمَاتِي كُلُّ ذِي أُذُنٍ
تَجثُو لَهُ، مِنْ غِنَائِي المُطرِبِ، الرُّكَبُ
فَلَيسَ يَمتَلِكُ (الشُّحرُورُ) حَنْجَرَتِي
إِذَا تَغَنَّيْتُ هَزَّ العَالَمَ الطَّرَبُ !
فَقالَ الحِصانُ الحَكِيمُ لِلحِمارِ الأَصغَرِ ، :
_ وَ إِلى أينَ أنتَ ذاهِبٌ ؟!
فَقَالَ الحِمَارُ الأَصغَرُ :
_ إِلى مُسابَقَةِ ( الحَيَوانُ الأَكثَرُ صَبْرًا) !
فَقَالَ لَهُ الحِصانُ الحَكِيمُ :
_ وَ هَل تَتَوَقَّعُ لَكَ الفَوزَ ؟ !
فقالَ الحِمارُ الأَصغَرُ :
_ كَلَّا ، الفَوزُ غَيرُ مَضمُونٍ مَعَ وُجُودِ( الجَمَل )!
ثُمَّ اَخَذَ الحِمارُ الأَصغَرُ يُنشِدُ ،
أنا الصَّبُورُ ، وَ لكِنْ لَسْتُ كَالجَمَلِ
لَكِنَّنِي سَوفَ أَسعَى دُونَمَا كَلَلِ !
لا يُدْرَكُ الفَوزُ إِلَّا عَن مُثَابَرَةٍ
عَلَى النَّجاحِ بِلا عَجْزٍ ، وَ لا كَسَلِ !
فَإِنْ نَجَحْتُ ؛ فَإِنَّ اللهَ وَفَّقَنِي
جَزَاءَ ما قَدَّمَتْ نَفسِيْ مِنَ العَمَلِ !
وَ إِنْ فَشِلْتُ ؛ وَ لَم أَظْفَرْ بِجَائِزَةٍ
فَلَنْ أَلُومَ سِوَى نَفسِيْ عَلَى الفَشَلِ !
فَابتَسَمَ الحِصانُ الحَكِيمُ وَ قَالَ لِلحِمارِ الأَصغَرِ :
__ أَتَوقَّعُ لَكَ الفَوزَ !
…………………………………….
وَ في اليَومِ التَّالي شَاهَدَ الحِصانُ الحَكِيمُ الحَمِيرَ الثَّلاثَةَ الإِخوَةَ ، رَأى الحِمارَ الأَكبَرَ يبكي و ينطحُ رأسَهُ في جِذعِ شَجرةٍ ضَخْمَةِ وهو يُرَدِّدُ :
_ أنتَ حمارٌ وتَبقى حِمارًا إِلى الأبد ! ، غبي! ، غبي ! ، سَوفَ أُحَطِّمُ هذا الرَّأسَ الغَبِيَّ !
أَمَّا الحمارُ الأوسَطُ فَقَد كانَ يَنتَحِبُ وَ يَتَمَرَّغُ في التُّرابِ ، وَ هُوَ يَقُولُ :
_ أصبَحتُ سُخرُيَةَ الغابَةِ بِصَوتِيَ المُنكَرِ ، واخَجَلاهُ ، واعارَاهُ مِنْ صَوتِيَ القَبِيحِ المُزعِج !
أَمَّا الحِمارُ الأَصغَرُ فَقَد كانَ يَبتَسِمُ وَ هُوَ يَحمِلُ الجائِزَةَ ، فَاقتَرَبَ الحِصانُ الحَكِيمُ مِن الحِمارِ الأَصغَرِ وَ قَالَ لَهُ :
_ أَ لَم أتَوَقَّعْ لَكَ الفَوزُ في المُسابَقةِ دُونَ أَخَوَيْكَ ؟!
فَقَالَ الحِمارُ الأَصغَرُ ، بِاندِهاشٍ ، :
_ بَلَى وَ لكِن كَيفَ تَنَبَّأتَ بِذلِكَ ؟!
فَقَالَ الحِصانُ الحَكِيمُ:
_ لِأَنَّكَ أَكثَرُ حِكمَةً مِنْ أَخَوَيْكَ ؛ فَأنتِ تَعرِفُ حُدُودَ قُدُراتِكَ ، وَ مَجَالَ مَوهِبَتِكَ ، وَ لَيسَ فيكَ الغُرُورُ الأَعمَى الَّذي عِندَ أَخَوَيْكَ ، فَلَدَيْكَ مِنْ أسبابِ الفَوْزِ وَ النَّجاحِ ما ليسَ عند أخَوَيْكَ !
سَكَتَ الحِصانُ الحَكِيمُ، ثُمَّ أَنشَدَ :
كُلٌّ يَسِيرُ على دَرْبٍ لَهُ رُسِمَا
وَ لَيسَ يُحرِزُ إِلَّا ما لَهُ قُسِمَا !
وَ كُلُّ مَنْ يَتَعَدَّى فَوقَ طاقَتِهِ
أَو فَوقَ قُدرَتِهِ ؛ فَنَفسَهُ ظَلَمَا !