وقَضَى ربُنا قبل خلق السماوات والأرض قضاءين اثنين، أحدهما مُبرمٌ والآخر مُعلق، أحدهما في علمه المَحض، فلا يُطلعُ عليه أحدٌ ( إنّ اللّهَ عندَهُ علمُ السَاعَةِ وَيُنَزلُ الغَيثَ وَيعلَمُ مَا في الأَرحَامِ وَمَا تَدري نفسٌ مَاذَا تَكسبُ غَدا ومَا تَدري نَفسٌ بأي أرضٍ تَمُوت إنّ اللّهَ عَليمٌ خَبير) لقمان 34 ( مَا يُبَدلُ القَولُ لَدي ومَا أنَا بظلَامٍ للعَبيد) ق 29 والآخر هو القضاء المعلق بأيدي الملائكة، وهو الذي تغيره أمور الدعاء وبر الوالدين والصدقة ، فيقال اكتبوا عمر فلان كذا إن تصدق وبر والديه، وإن لم يتصدق ولم يبر والديه فعمره كذا ، وكلاهما في علم الله الأزلي( يَمحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِت وَعندَهُ أُم الكتَاب) الرعد 39 …
وثمةَ أمرَان آخرَان أحدهما مطوي وآخر مرئي، أحدهما التسيير والآخر التخيير، وكلاً يرتبطان بحال ومئال الخلق أجمعين…
فالإنسان مُسيرٌ في مناح، ومُخيرٌ في نواح، مُسيرٌ فيما طواه الله عنه، ومُخيرٌ فيما أطلعه إياه… مُسيرٌ في قضاء الله وقدره، ومُخيرٌ في معتقداته وعباداته..
ويُفسر هذه الديباجة بجلاء منقطع القرين جعفر الصادق رحمه الله فيقول :
إنّ الله أراد بنا وأراد منا، أراد بنا قضاءً وقدراً، وأراد منا أعمالاً، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أطلعنا عنه، فما بنا نشغل أنفسنا بما طواه عنا، ولا نكترث بما أمرنا به…
فنعجل بالسؤال والحيرة عن المطويات عنا، آجالنا، وأرزاقنا، ولا نُلقي بالاً لما أمرنا به كالعبادات والمعاملات…..