بعد نشر مقالتي السابقة في موضوع (كيفية دفع موجة التلبيس في الدين)، قال لي ذات الشخص العزيز على قلبي، أن كثير من الناس لا يقبلون النصيحة إما استحياءً أو تكبراً، وطلب أن أكتب في ذلك.
وأبدأ بقول الإمام البخاري في صحيحه: (لا ينال العلم مستحي – بإسكان الحاء – ولا متكبر).
أولا: ضياع العلم بسبب الحياء:
على الرغم من أن الحياء من الفضائل لكونه يدل على ما في النفس من الخير، إذ أن الحياء خلق كريم، لقول النبي ﷺ في الصحيحين: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو قال: بضع وستون شعبة، فأفضلها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
إلا أن الحياء في طلب العلم يعد مذمومًا، وهو على صورتين:
الأولى: الاستحياء من السؤال:
ويكون ذلك لدى بعض الناس الذين يستحيون أن يسألوا على أمر من الأمور خشية ازدراء الآخرين لهم، فيظلون على حالهم بجهل تلك الأمور، وقد أثنت أم المؤمنين عائشة على نساء الأنصار فقالت: “نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين”.
الثانية: الاستحياء من قول (لا أعلم):
هذه الصورة تتضح حين يُسأل شخص عما لا يعلم، فيستحي من قول: “لا أعلم”، فيقول برأيه فيضل من سأله، ويظل هكذا فيضيع العلم بسبب هؤلاء الذين يستحيون من قول لا أعلم، وتعم البلوى.
ثانيا: ضياع العلم بسبب الكبر:
وإذا كان الحياء في الأصل نعمة، إلا أنه حين طلب العلم يكون نقمة، فإن الكبر في ذاته نقمة وفي التكبر على طلب العلم يكون أكثر نقمة، فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (قال الله عز وجل :الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) صحيح مسلم).
وحتى لا يضيع العلم يجب تقبل الحق من أي إنسان ولو كان أقل علماً، فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمِعَ مقالتي، فبلَّغَها، فرُبَّ حاملِ فِقهٍ، غيرُ فَقيهٍ، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منهُ، ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ: إخلاصُ العملِ للَّهِ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ، ولزومُ جماعتِهِم، فإنَّ دَعوتَهُم، تُحيطُ مِن ورائِهِم) (صحيح ابن ماجه).
فمن الكبر رد الحق وعدم قبول النصيحة، فالمتكبر يعتقد أنه الوحيد الذي يعلم.
وعلاج الكبر التواضع، فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) (صحيح مسلم).
والله أعلم