كل عام وأنتم بخير .. أيام قلائل ونستقبل شهر رمضان المبارك ونعيش أياما طيبة فى رحاب شهر الرحمة والمغفرة الذى أنزل الله فيه القرآن، وأكرمه بليلة القدر، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن “أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد لهذا الشهر الكريم أفضل استعداد ويحرص على تهيئة المسلمين لاستقباله باعتباره أفضل شهور العام على الإطلاق.. وكان صلى الله عليه وسلم يستعد لرمضان قبل قدومه بعدة أسابيع وكان قدوة حسنة للمسلمين جميعا في استقبال الشهر المبارك، فقد كان يصوم أياما من كل شهر، ويكثر من الصيام فى شهر رجب، ثم يصوم معظم شهر شعبان، كما أخبرتنا أم سلمة رضى الله عنها، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر من شهور السنة أكثر من صيامه في شعبان”.
فى هذه الأيام المباركة ينبغى على الآباء والأمهات ترغيب أطفالهم القادرين على الصوم عن طريق مشاركتهم فى صيام بعض الأيام قبل رمضان بشرط أن يكون ذلك بالترغيب وليس بالترهيب، وبشرط أن يكون لدى الطفل القدرة على الصوم، وهذا من حسن التربية الذى حث عليه ديننا.. كما يجب على الآباء تلقين أطفالهم مبادئ الدين الصحيح منذ الصغر وتدريبهم على العبادات من صلاة وصيام، وتعويدهم على ممارسة كل الأعمال الخيرية في رمضان وفي غير رمضان.
أيضا.. الأيام السابقة لرمضان ينبغى أن تكون نقطة تحول فى حياة كثير من الفتيات والسيدات لإقناعهن بأن ارتداء الحجاب لا ينبغى أن يكون فى شهر رمضان فقط كما تفعل بعض الفتيات والسيدات، فالإسلام ألزم المرأة المسلمة بالزى الساتر لعورتها في كل وقت وفي كل مكان تظهر فيه خارج بيتها، والمرأة الحريصة على دينها مطالبة بالالتزام بما أمر الله ورسوله به، أما المرأة التي لا يعنيها الحلال والحرام والمباح والمحظور فهي تفعل ما تشاء.. وحرص المرأة المسلمة على ارتداء الحجاب خلال شهر رمضان سلوك محمود ونحن نشجعه ولكن: لماذا لا يكون هذا هو سلوكهن طوال العام؟ إن الحجاب حماية ووقاية للمرأة وهو لا يقلل من جمالها وجاذبيتها وهناك محجبات كثيرات أجمل في زيهن الشرعي وأكثر احتراما وأيضا جاذبية من متبرجات يكشفن من أجسادهن أكثر مما يخفين.
رمضان شهر عبادة وتقوى وطاعة ولذلك ينبغى على كل إمرأة أن تتسلح بالحشمة والوقار خلال هذا الشهر الكريم، وعلى كل إمرأة غير ملتزمة بالزي الشرعي أن تتخذ من رمضان بداية حقيقية للالتزام بما أمر الله عز وجل به، والأمر هنا لا يقف عند حد المظهر الخارجي، بل الإسلام حرص على ضبط سلوك المرأة في رمضان وغير رمضان بضوابط أخلاقية تحميها أولا وتحمي الآخرين من سلوكياتها المخالفة لتعاليم دينها، فلا يكفي أن ترتدي المرأة اللباس الشرعي ثم تتلفظ بألفاظ أو تصدر عنها حركات لا يقرها دين ولا عرف، فالمرأة التي لا تلتزم بالعفة في مظهرها ومخبرها تكون آثمة شرعا، وبالتالي ينقص ثواب صيامها لأن الصوم يعلم الأمانة ويضاعف من تقوى الله ومراقبته سبحانه في السر والعلن إذ لا رقيب على الصائم إلا الله عز وجل وحده.
أيضا.. الاستعداد لرمضان ينبغى أن يكون بالتخلص من المشكلات الأسرية والخلافات الزوجية التى تعصف باستقرار الأسرة وتفسد روح المودة والرحمة بين أفرادها.
بالتأكيد هناك مشكلات أسرية واجتماعية كثيرة تعانى منها كثير من الأسر، هناك مشكلات قائمة بين الأزواج والزوجات، وهناك مشكلات بين الأهل والأقارب، وهناك مشكلات بين جيران، وينبغى أن تكون هناك مبادرات خلال هذه الأيام للتخلص من هذه الخلافات حتى يعود الصفاء النفسى والوئام الاجتماعى ويستقبل الجميع شهر رمضان بروح جديدة تضاعف من الترابط الأسرى والاجتماعى.
لذلك ينبغى على كل أسرة مسلمة استثمار هذه الأيام لتحقيق الوفاق الاجتماعى الذى نبحث عنه، ذلك أن الاستعداد النفسى للصيام يفرض على كل زوج ظالم لزوجته أن يكف عن ظلمه، ويدفع كل زوجة تغضب زوجها الى تصحيح علاقتها به، كما يجب على كل إبن عاق ومتمرد أن يتوب عن رذيلة العقوق ويذهب الى والديه نادما تائبا طالبا العفو حتى يرضى الله عنه، فلا أهمية لطاعة ابن عاق لوالديه، وجريمة العقوق لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا زكاة.
علينا أن نتمسك بروح رمضان قبل أن نستقبل رمضان، لأننا جميعا بحاجة ماسة لهذه الروح لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهنا، فرمضان مدرسة للتربية الاجتماعية والأخلاقية وفرصة لتحقيق الصفاء النفسى للإنسان.
علينا أن نتذكر الخطبة النبوية الرائعة التي شرح فيها رسولنا العظيم لصحابته الكرام فضل رمضان وما به من خيرات، وما انعم به الله سبحانه وتعالى على عباده الصائمين.. فقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: “يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، من قرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد رزق المؤمن فيه، من فطر صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل اجره من غير أن ينقص من اجره شيء، قالوا: يا رسول الله أليس كلنا لا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله عز وجل هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهذا شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار… استكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم عز وجل، وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل فشهادة أن لا اله إلا الله، وان تستغفروه.. وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقي صائما سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة”.
b_halawany@hotmail.com