تابع (نصائح وأسس وقواعد في فهم الدين قبل أن تضل أو يضلك المضلون) رقم (4).
إخواني الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنا قد بدأنا ببعض النصائح التي لا بد من معرفتها لكل مسلم، يريد أن يَفهم الدين فهمًا صحيحًا، حتى لا يضل في فهمه أو يضله أهلُ الضلالة وهم كُثُرٌ في زمننا هذا، والعياذ بالله، وكنتُ قد ذكرتُ من قبل عدةَ نصائح، واليومَ بإذن الله نبدأ في نصيحة جديدة، وهي برقم (5). فأقول وبالله تعالى التوفيق:
10- فهم نصوص الشريعة له ضوابطُ لا بد من توفُّرها فيمن يريد معرفةَ حكم الله تعالى المنصوص في القرآن والسنة.
وذلك مثل كل علم من العلوم البشرية سواء بسواء، نعم، قد يقول قائل: ولكن القرآن يسَّره اللهُ للذكر، فنقول: نعم، يسره الله تعالى للذكر، بمعنى أنه ميسر للفهم والعلم بمضمونه إذا سلك المسلم فيه طرق المعرفة التي تؤهله لفهم مراد الله، فمثلا: المسلم الذي لغته الأصلية غير اللغة العربية، كيف يفهم القرآن وهو لا يعرف لغة العرب؟ لا بد أن يتعلم لغة العرب أولا، حتى يفهم المراد من الآيات إذا أراد أن يفهمَه كما أنزله الله بلغة العرب.
وليس معنى أن القرآن مُيَسَّر للذكر، أنه مباح لكلّ شخصٍ أن ينظر فيه ليستخرج منه حكمَ الله تعالى، لأن القرآن ليس مثل الكتب البشرية، فقد تجد آية تتكلم عن موضوع ما في سورة معينة، ثم تجد ما يكمل هذا الحكمَ في سورة أخرى، فقد تكون الآية عامة ولها مخصص في سورة أخرى، أو مطلقة ولها مقيد في سورة أخرى، أو مجملة وتجد تفصيلها في سورة أخرى، أو في نصوص الأحاديث القولية والفعلية.
ومن ثَمَّ، فلا بد أولا من الإحاطة بنصوصِ الشرع قرآنا وسنة، وعدم الاعتماد على نص واحد في الموضوع؛ لأن من المعلوم بالقطع في القرآن أن الله لم يجمع كلَّ أحكام موضوع معين في مكانِ واحد، وهو سبحانه (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، فإذا كان الإنسان لا يحيط بنصوص القرآن كله، فكيف يستنبط حكمًا منه، وهناك نصوصٌ أخرى هو يجهلها؟
ومثالا على هذا حتى تكون على يقين مما أقول: موضوع عدة المرأة المطلقة، فالمرأةُ الطلقة لها أحوالٌ مختلفة، وكلُّ حالٍ لها فيه حكمٌ شرعي معيَّن يخصُّها هي بعينها، ولا ينطبق على غيرها، لسببٍ بسيط جدًّا، وهو أن موضوع عدة المرأة متفرِّقٌ في أربعِ سورٍ من القرآن الكريم، وليس مجموعًا في سورة واحدة.
وهذه أحوال المرأة المطلقة:
- أولا: المرأة المعقود عليها ولم يدخل بها زوجُها، فإذا طلقها زوجُها، فهي لا عدةَ عليه أصلا؛ كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا). سورة الأحزاب: آية 49.
ثانيًا: المرأة التي دخل بها زوجُها، ثم طلَّقها، فهذه أيضًا لها عدةُ أحوال:
أ – فإذا كانت حاملًا، فعدتُها بوضعِ الحملِ، كما قال تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). سورة الطلاق: آية 4 .
ب- المرأة المدخول بها وليستْ حاملا وطلقَها زوجُها: فهذه عدتُها ثلاثةُ قروء، أي تحيض ثلاثَ حيضات، فإذا طهرت من حيضها الثالث – ولم يَرُدَّها زوجُها في هذه المدة – بانت من زوجها وحَلَّ لها الزواجُ من غيره، كما قال تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) سورة البقرة: آية 228.
ج- المرأة المدخولُ بها وبلغَتْ سنَّ اليأس فلا تحيض، أو انقطع حيضُها لأي سبب، أو كانت صغيرة لا تحيض، فهذه إذا طلقها زوجها فعدتُها ثلاثة أشهر قمرية، كما قال الله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). سورة الطلاق: آية 4.
فأنت ترى – من هذا المثال – أيها المسلم العاقل، أن عدة المرأة المطلقة ليس مجموعًا في موضع واحد، بل في مواضع متفرقة من عدة سور، فكيف يجوز لمن لا يحفظ نصوص القرآن أن يستخرج الحكم الصحيح وهو لا يعرف – أو لا يحفظ – نصَّ القرآنِ كله فضلًا عن معرفة السنة؟.
ومن هنا يظهر لك أخي المسلم الأهمية البالغة والقصوى في حفظ نصوص القرآن حتى يمكن للمسلم أن يفتي في الدين أو أن يستخرج حكما شرعيًّا منه، فضلا عن حفظ نصوص السنة أيضًا، وبالله التوفيق.
أكتفي بهذا القدر ونكمل فيما بعد إن شاء الله تعالى، في النصيحة (5).
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة.