وقفات مع قول الله تعالى:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
الدعاء في القرآن والسنة يطلق على أمرين:
-دعاء العبادة.
-ودعاء المسألة.
فالأول: وهو دعاء العبادة، وذلك بأن تعبد الله بكل ما شرعه. وفي ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
والثاني: دعاء المسألة، وهو أن تطلب من الله شيئا من أمور الدنيا أو الآخرة.
وفي هذه الحال ينبغي للعبد أن يقدم بين يدي سؤاله التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، كأن تقول: يا رحمن ارحمني .. ويا رزاق ارزقني، ويا غفار اغفر لي .. وهكذا.
وأشرف سؤال يطلبه العبد من ربه
هو سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم، فهو أجلُّ المطالب، ونيلُه أشرف المواهب، ولذلك أمرنا الله تعالى بأن نسأله الهداية في سورة الفاتحة،﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾.
كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». رواه مسلم
ثم سؤال الإعانة على الطاعة:
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ وَاللهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ وَاللهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
طلب الله من عباده أن يسألوه كل شيء
وقد أمر الله عباده أن يسألوه كل شيء من خيري الدنيا والآخرة، فهو الغني الذي خزائنه مملوءة بكل شيء، ولا ينقص عطاؤه مما في خزائنه مثقال ذرة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
فقد وسع الخلقَ كلهم بعلمه ورزقه، وفضله ورحمته وإحسانه كما قال سبحانه في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ.
يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ.
يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ». رواه مسلم
وأفضل الدعاء ما جمع بين التضرع والخفية
كما قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
والاعتداء في الدعاء محرم وله صور:
-كأن يسأل العبد ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.
-أو يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء والمرسلين.
ومن الاعتداء رفع الصوت بالدعاء
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا وارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ». البخاري.
يتبع بإذن الله تعالى في (2)
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة