(3) وقفات مع فقه الدعاء
فجميع الخلق يسألون الله تعالى مطالبهم، ولكن مقاصدهم تختلف:
-فمنهم من يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته، وليس له في الآخرة من نصيب؛ لرغبته عنها، وقصر همته على الدنيا.
ومنهم من يدعو الله ويسأله لمصلحة الدارين كما قال سبحانه: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
وحسنة الدنيا: يدخل فيها كل ما يحسن عند العبد ويعينه على طاعة الله، من رزق هني واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تقر به العين، وراحة نفس، وعلم نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك من المطالب المشروعة والمحبوبة والمباحة.
وحسنة الآخرة هي: السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالجنة، والقرب من الرحمن ورؤيته.
أجمع الدعاء وأكمله
وهذا الدعاء أجمع الدعاء وأكمله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به والحث عليه بقوله: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6389)، ومسلم برقم (2688).
الأوقات المفضلة لإجابة الدعاء
أولا: بين الأذان والإقامة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ»، قَالُوا: فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ». رواه أبو داود والترمذي.
ثانيا: في السجود: قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». رواه مسلم
ثالثًا: جوف الليل ودبر الصلوات: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ».: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. رواه الترمذي
رابعا: ساعة من كل ليلة: فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». رواه مسلم
خامسا: ساعة من ساعات يوم الجمعة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئاً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». رواه مسلم.
سادسًا: عند الاستيقاظ من النوم ليلا والدعاء بالمأثور: عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ». رواه البخاري
سابعًا: في ليلة القدر: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنْ وَافَقَنِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَقَالَ: «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». ابن ماجه وهو حديث صحيح.