قال صاحب الشرطة: كنت ذات يوم مع المأمون و جيئ بشخص مكبل، قال لي خذ هذا إلى دارك و احضره صباحا لاقطع رأسه ، فأمرت الشرطة بنقله إلى داري ، و أمضيت بقية وقتي مع المأمون ثم انصرفت إلى داري لأنام، و حين وصلت البيت قلت لأرى من يكون هذا الشخص.
فجئته و قلت من تكون أيها الرجل ؟ قال انا من الشام و أهلها خير فقلت: أتعرف فلان ابن فلان ؟
قال:و من أين تعرفه ؟
قلت لي معه قصة.
قال:لا أخبرك عنه إلا اذا قصصت لي قصتك معه.
قلت: كنت صاحب شرطة في الشام و حصلت ثورة فقتل الوالي و تدليت من الدار و حين وصلت الأرض فريت و التجأت الى دار شخص لا أعرفه فبقيت عنده اربعة شهور يقدم لي كل يوم طعاما شهيا وملابس نظيفة و أنا لا أعرفه و هو لا يعرفني.
ذات يوم قلت له أريد أهلي في العراق، قال إن القافلة ستبحر بعد ثلاثة ايام و أنا أخبرك.
و بعد ثلاث أيام جاءني و قال هيئ نفسك فالقافلة على أهبة السفر.
بدأت أفكر كيف لي بالسفر و أنا لا أحمل مالا و لا نقيرا و بينما أنا أفكر جاءني و هو يحمل حزاما يسمى هميان و فيه سيف مدلى ، قال هذا الهميان فيه خمسمائة دينار هي مصرفك للطريق ، و هذا الحسام سلاح لك و هذه الفرس لتركبها و هذا الخادم لخدمتك و هذا البغل محمل من نفائس الشام هدية منا لاهلك.
و تلك والله منة و أنا أتعقب أثره لعلي أثيب بعض هذه المنة.
قال: أنا هو
فأبصرت في وجهه فإذا هو بصاحبي فأرسلت إلى حداد كسر قيده و أدخلته الحمام فاغتسل و ألبسته ملابس نظيفة و قلت له هذه ألف دينار و هذه فرسي خذها و اذهب و دعني أصارع المأمون.
قال: والله لن افعلها!
قلت: لماذا ؟
قال: ذنبي عند المأمون عظيم و هو قاتلي لا محالة فإن ذهبت قتلك مكاني فلا أبرح !
و ألححت عليه فلم يفعل قلت: إذا تبقى هنا و أنا أذهب الى المأمون ألتمسها فإن أجابني فبها و إلا أرسلت أليك ليقطع رأسك.
قال: هذه قبلت بها
و ذهبت إلى البزاز و اشتريت منه كفنا و أبقيت الكفن معي إلى الصباح و الصباح صليت الصبح و جاءني رسول المأمون يطلب الرجل فأخذت الكفن و ذهبت.
لما جئت إلى المأمون وجدته يتمشى في حديقة الدار قال أين الرجل ؟ قلت اسمع مني يا أمير المؤمنين
قال: علي عهد الله إن قلت فر لقطعت رأسك مكانه.
قلت: اسمع مني يا أمير المؤمنين و لك أن تفعل بعدها ما تشاء.
قال: قل!
فقصصت قصتي من أولها إلى آخرها ..فلما سمع المأمون القصة بكى ! قال: والله لا أعلم أيكما أكرم ..أهو الذي آواك و كرمك دون معرفة ؟
أم أنت الذي أردت أن تفتديه بروحك بعد المعرفة ؟
و أنا لا اريد أن أكون ألأمكما فقد عفوت عن الرجل أحضره ..
و الآن طمعت فيه قلت يا أمير المؤمنين ذلك لا يكفي
قال: بل ! ..قلت صله ..قال وصلناه بخمسين ألف درهم ..قلت ذلك لا يكفي.
قال: لم ؟!
قلت: لأن ذنب الشخص كبير و هدايا الملوك على قدر ذنب الرعية فأجزل له العطاء.
قال: وصلناه بمئة ألف و ولاية الشام و عفونا عنه احضره ..
فلما حضر الرجل قبل العفو و صفح عن المال و الولاية قال المال عندي ما يكفيني منه و الولاية يكفيني ما صرت إليه !