أم كلثوم تغني (قصة الأمس) في ليلة رمضانية!
من يتأمل تاريخ السينما المصرية بجدية يكتشف أن دور العرض لم تكن تتردد في عرض الأفلام الجديدة خلال شهر رمضان المبارك،
وقد حدث ذلك كثيرًا في عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لكن مع انتشار ظاهرة التدين الشكلي بعد حرب أكتوبر 1973 وتفاقمها من عقد إلى آخر، راحت السينما تغلق أبوابها طوال شهر رمضان، ولا تفتح تلك الأبواب إلا مع أول أيام عيد الفطر المبارك.
المدهش أن مصر، فيما سبق، كانت تتعامل مع الفن في الشهر الفضيل برحابة صدر، فلا تصد وجدانها عن أي فن جميل، ولا ترى تناقضًا بينه وبين الالتزام بواجبات الشهر المقدس من صيام وورع وتقوى.
ولك أن تعرف أن أم كلثوم كانت تحيي الحفلات في شهر رمضان، وتشدو بأغنيات مترعة بالحب والغرام قبل السحور .
وها هي تترنم بقصيدتها الجميلة (قصة الأمس) في إحدى ليالي رمضان من عام 1958. تلك القصيدة التي كتبها الشاعر أحمد فتحي ولحنها رياض السنباطي.
استمع معي إلى المقدمة التي يقولها مذيع الحفل في الراديو قبل أن تظهر كوكب الشرق على المسرح:
[ سيداتي سادتي مساء الخير… نحييكم من مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة لنقدم لكم الحفلة الشهرية التي تقدم فيها إذاعة الجمهورية العربية المتحدة من القاهرة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم…
أقبل الكثيرون إلى المسرح واتخذوا أماكنهم واستعدوا وتأهبوا لسماع أم كلثوم في أولى أغنياتها في هذا الحفل الساهر الذي نقضي معه جميعًا الليلة سهرة طيبة…
سهرة من السهرات التي تقدمها إذاعة الجمهورية العربية المتحدة لمستمعيها لتدخل إلى قلوبهم الفرحة والبهجة والنشوة في هذه الليالي الطيبة المباركة من ليالي شهر رمضان الكريم ].
هكذا قال بالحرف المذيع صاحب الصوت الرائع، وسأزيدك من الشعر بيتًا وأذكرك بأن أم كلثوم غنت في هذه القصيدة للوعة الحب وسحر الخمر،
ومع ذلك لم يحتج أحد آنذاك ولم يعترض بزعم أننا في ظلال الشهر المبارك.
تصدح أم كلثوم في (قصة الأمس) قائلة:
يسهر المصباح والأقداح والذكري معي
وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي
يا لذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنينا
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حينا فحينا