كتب وفنون وأسرار شكّلت عقلي وضميري ووجداني *
- حدثنا عن ذكرياتك مع شهر رمضان في الطفولة.. كيف تفتح وعيك بطقوس الشهر المعظم في الصغر وما أبرز المواقف العالقة في ذهنك تجاهه؟
** بيني وبين الشهر الكريم علاقة مودة ممتدة لعدة عقود، فذاكرتي تحتفظ بسحر هذا الشهر وطقوسه منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي،
حيث تجتمع الأسرة لحظة الإفطار حول المائدة التي يتصدرها أبي المرحوم عبدالفتاح عراق، ولأن ترتيبي السادس بين أشقائي، فنحن سبعة، فقد تعلمت كيف أنصت إلى الكبار وهم يتحدثون،
ومن حسن الحظ أن والدي الراحل الجليل المرحوم عبدالفتاح عراق كان مثقفا عصاميًا بامتياز، فكانت النقاشات التي تدور على مائدة الإفطار تتراوح بين الفكر والأدب والدين والفن والسياسة، خاصة بعد هزيمة 1967.
وهكذا تلقت مسامعي وأنا طفل أسماء عبدالناصر وديجول وأحمد بن بيللا وهواري بومدين وياسر عرفات وجيفارا وجونسون وبريجينيف ولينين وماوتسي تونج وطه حسين وتوفيق الحكيم ودوتسوفيسكي وجوجول وأحمد شوقي ونجيب محفوظ ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وأم كلثوم وعبدالوهاب وفاتن حمامة وعبدالحيم،
كما كان للقرّاء الكبار حضور واضح في احاديث الوالد والأشقاء أمثال محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد ومصطفى إسماعيل وعبدالعظيم زاهر وغيرهم.
أذكر أيضا كيف كنت أنتظر بشغف كبير المسلسل الإذاعي الرمضاني الذي يذاع عقب مدفع الإفطار والأذان وابتهالات الشيخ سيد النقشبندي التي كانت ترج كياني رجّا،
ومعظم هذ المسلسلات من بطولة فؤاد المهندس وشويكار مثل (العتبة جزار/ أنت اللي قتلت بابايا/ سفاح النساء، موهوب وسلامة)، وكذلك فوازير رمضان التي كانت تقدمها أحيانا فاتن حمامة وصلاح جاهين.
وفي التلفزيون كنا نشاهد بفرح كبير الفوازير التي يقدمها ثلاثي أضواء المسرح، ولما مات الضيف أحمد خشيت أن تتوقف، لكن سمير وجورج واصلا تقديمها بعد ذلك.
أذكر أيضا الهوس بمسلسلات الضحية والرحيل والنصيب، ثم القاهرة والناس والدوامة إلى آخره.
كما لا يمكن أن أنسى ليالي السحور، حيث أقف مشدود الأعصاب في شرفة شقتنا البسيطة بمنطقة المؤسسة بشبرا الخيمة لأطل على عم موسى المسحراتي الذي يجوب المكان حاضًا الناس على الاستيقاظ من أجل تناول طعام السحور.
كذلك كنت أنصت إلى برامج الإذاعة مثل (أحسن القصص)، و(المسحراتي) التي كتب أشعارها فؤاد حداد وتولى سيد مكاوي تلحينها وأداءها، والمسلسل الساحر ألف ليلة وليلة للسيدة المدهشة زوزو نبيل.
- ماذا عن طقوسك في شهر رمضان الآن؟
** أذهب إلى مكتبي يوميًا قبيل الفجر، حيث أشغل موقع مدير تحرير مجلة (حروف عربية) التي تصدرها مؤسسة (ندوة الثقافة والعلوم) بدبي، وأتناول إفطاري في المطاعم، لأني أعيش بمفردي منذ أربع سنوات تقريبًا، فخسرت (طعم الأكل البيتي).
ثم أمارس حياتي بشكل عادي، أقرأ كثيرًا، وأكتب، وأتابع باهتمام أحوال مصر والعالم، ويوم الجمعة ألتقي ابني الأصغر باسم، وهو في الصف الثاني الثانوي، لنتناول طعام الإفطار معًا في أحد المطاعم بدبي.
- هل هناك كتب معينة تستعيد قراءتها في هذا الشهر؟
** هناك مجموعة من الكتب تظل قريبة من تناول يدي طوال العام، وليس الشهر الفضيل فقط، لأني احتاج إليها في عملي، سواء في الروايات التي أعكف عليها، أو في مقالاتي ودراساتي،
منها على سبيل المثال: (الكتب الدينية المقدسة… القرآن الكريم وكتب التفسير والسيرة النبوية، والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد)،
و(شخصية مصر لجمال حمدان بأجزائه الأربعة)، و(تاريخ القرآن لتيودور نولدكة)، و(فجر الضمير لجميس هنري بريستيد)، و(أصل الأنواع) لداروين،
و(كتب تاريخ مصر التي كتبها ابن اياس والمقريزي وابن تغري بردي والجبرتي)، و(تاريخ الفلسفة الغربية لبراترند راسل)، (والفن والمجتمع عبر التاريخ لأرنولد هاوزر)،
و(دواوين المتنبي وشوقي وأبي نواس وصلاح عبدالصبور وحجازي ومحمود درويش ونزار قباني)، و(بعض الروايات المهمة والقواميس وعدة كتب عن تاريخ الفن التشكيلي في مصر والعالم، وأخرى عن السينما والمسرح).
- كيف ترى الدراما التي يتم تقديمها في المواسم الرمضانية؟ ومن أبرز النجوم أو الكتاب الذين تحرص على متابعتهم؟
** كما قلت لحضرتك سابقا، فعلاقتي بالدراما في رمضان تشكلت منذ الصغر، وكنت حريصًا فيما مضى على مشاهدة الأعمال التي يقدمها المخرجون محمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ ويحيى العلمي،
كذلك تلك التي يكتبها أسامة أنور عكاشة وصالح مرسي، أما النجوم، فكنت أتابع ما يقدمه النجوم الذين ظهروا في صباي أمثال محمود ياسين وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز، ثم يحيى الفخراني،
كما أحببت أعمال محمود مرسي وعبدالله غيث ويوسف شعبان وعبدالرحمن أبوزهرة ومحمود الحديني وجميل راتب وسناء جميل وسميرة أحمد.
والآن أتابع ما يقدمه الصديق العزيز الفنان خالد الصاوي، وكذلك ما تقدمه الفنانات يسرا ومنى زكي ونيللي كريم، وقد تابعت العام الماضي مسلسل (لعبة نيوتن)
وأعجبني، كذلك ما تقدمه السيدة كاملة أبوذكري، فقد استمتعت بمسلسل (ب 100 وش). لكن دعني أخبرك بصراحة أنه من المحال متابعة عشرات المسلسلات التي تعرض في رمضان
لأن ذلك يبدد الوقت، والعمر يمضي بسرعة مهولة كلما تقدمت بالمرء السنون، لذا اكتفي بمتابعة عمل واحد فقط أو اثنين على الأكثر، حيث أشاهد الحلقة الأولى، فإذا لم تلفت انتباهي أتوقف عن المتابعة.
- كيف بدأ اهتمامك بالكتابة والأدب من الطفولة؟
** أظنني عشقت الكتابة، والإبداع بشكل عام منذ الصغر، والفضل يعود إلى والدي الذي غرس في وجدان أبنائه حب الأدب والفن، فحظيت بأشقاء كبار فتحوا امامي آفاق الإبداع رغم أنهم لم يمارسوه بشكل محترف،
فمنهم المهندس والمحاسب وعالمة الذرة وخبير النسيج والموجهة في التعليم، لكنهم كلهم شغوفون بالأدب والفن، بصورة مدهشة.
- من أبرز الكتاب الذين أثروا فكريا عليك؟
** لاشك أن هناك عددًا لا بأس به من المفكرين والمبدعين تأثرت بأفكارهم وآرائهم في مقتبل العمر أمثال طه حسين ونجيب محفوظ وسلامة موسى، وشوبنهاور وسبينوزا وماركس ودارون وفرويد وسارتر ولينين وتروتسكي
وكيركيجارد وراسل وماركيز وهربرت ريد وغيرهم وغيرهم، هذا حدث في فترات التشكيل الأولى في أثناء الدراسة الجامعية،
وبعد ذلك تنصهر أفكار هؤلاء في عقلي وضميري ووجداني، وتتلاقح مع الخبرات الحياتية الشخصية فتصمد الأفكار الصحيحة وتتطور، وتتلاشى الأفكار التي لا تصمد لاختبار الزمن وتناقضاته، ليشكّل المرء بعد ذلك (فلسفته) الخاصة في الحياة..
- وما أبرز الكتب التي شكلت وعيك في مرحلة التكوين؟
** هناك كتب كثيرة، وأظن أنني ذكرت بعضها في إجابتي عن سؤال سابق.
- ما أبرز الكتاب الذين تحرص على متابعة أعمالهم على الساحة الآن؟
** أحرص بشكل عام على متابعة إبداعات زملائي وأبناء جيلي، كما أتابع باهتمام إنجازات الشباب في الرواية والشعر والنقد الأدبي.
- ما أهم الكتب التي تنصح الجمهور بقراءتها ولماذا؟
** يا عزيزي.. الإنسان بطبعه ينفر من النصائح. ومن حسن الحظ أن الإنترنت أتاح المعلومات للجميع بضغطة زر، والذكي من يستطيع استثمار وقته في القراءة المفيدة.
- ما رأيك في مصطلح القراءة السريعة الذي انتشر بشكل كبير بين الشباب وكأنه موضة؟
** أتخيل أن القراءة عمل جاد يستوجب ذهنا صافيًا وتركيزا شديدًا، لذا أظن أن القارئ النبيه هو الذي سيستفيد من القراءة،
بينما القارئ الكسول هو الذي سيتعامل معها باستخفاف، لذا لن تمنحه سحرها وفوائدها ومتعتها.
- كيف ترى تأثر الأدب المصري بالأدب الأجنبي عبر الأزمنة؟
** لا شك أن الإبداع المصري تأثر كثيرًا بما أنتجته اوروبا، ليس في الأدب فقط، بل في كل شيء، ولك أن تعلم أن جامعة أكسفورد بإنجلترا تأسست عام 1096، بينما جامعة القاهرة تأسست عندنا عام 1908،
أي بيننا وبينهم أكثر من 800 عام في العلوم والمعارف والآداب، وهذا في حد ذاته ليس مشكلة كبرى،
لكن المهم أن ننتبه ونعمل على تطوير أنفسنا في العلوم والصناعة والتكنولوجيا والفكر والأدب والفن حتى يمكن لنا أن نسهم بنصيب في إثراء الحضارة الإنسانية.
- أمنية أدبية تتمنى أن تتحقق؟
** أرجو أن أظل أكتب روايات حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.