هذا المقال ملىء بالأحاسيس والمشاعر ..حاولت التعبير ونقل ما يدور في الأحلام من خواطر وما تنتجه الأحداث من آلام ..قد تكون التجربة التي عبرت عنها خاصة ولكن من يقرأ المقال قد يشعر أنني أعبر عن حالة مر بها شخصيا أو على الأقل يشاركني المشاعر في لحظة امتزج فيها الضعف والإرادة والوهن والقوة ..توهجت في وقت أوشك فيه أن يسدل الستار .
**لست أدرى لمن أشكو حالى بعد ضربتين متتاليتين.. الأولى خلل فى الساعة البيولوجية غير مفهوم ظننته طارئا مؤقتا.. استوطن الأرق ساعات النوم.. استنفر انتباه حواسى لم يفلح اللجوء إلى اغماض العينين أو لبذل مجهود مضاعف فى السهر ليأتى النوم مع التعب.. وتواكبت معها الثانية توقف تام عن الحلم يحل محله الجفاء حتى مخزون الذكريات الذى كان يرسل أطيافه أحلاما تنبه المرء إلى أحداث مضت.. وصداقات توحدت.. ولقاءات مع أحبة راحلين.. امتنعت بل تلاشت وتبخرت.. وشعرت كم سيكون صعبا على المرء خاصة من يعمل فى الحكى والكتابة إذا جف البئر واضطرت لتبنى ابداعاتك فقط على ضوء النهار.
**هذا ما أصابنى بشكل مباشر بعد رحيل شقيقى الأوسط إلى عالم البقاء وظننت ان النفس تترجم بذلك.. بداية ما يقرب من ٤٠ عاما من الغربة.. أمضى سنواتها الأخيرة مع عائلته الصغيرة فى أحد الولايات الأمريكية على وعد بالحضور إلى الوطن الأم فى أقرب وقت مستطاع خاصة بعد أن اكتشفت ان تواصلنا المتأخر بواسطة وسائل التواصل الاجتماعى لم يحقق بداخلى درجة الشبع ورصيد أتزود منه عندما يحين اللقاء.
**ظل الوقت بالنسبة لى ومنذ قدومى من ألمانيا فى أواخر ستينيات القرن الماضى كيان محترم من ذهب خالص تعلمت ان الإنسان هو الوقت ولا عذر مقبول عند الحضور متأخراً لدقائق ناهيك عن عدم الحضور أو كارثة الصمت عن الاعتذار وقضت إهدار قيمة الوقت والعبث فى لحظاته أو التعامل معه بقية اليوم مثلا يقول لك فلان انتظرنى سأمر عليك بعد المغرب عليك الانتظار وتعطيل مصالحك فى موعد محدد الملامح ووجدتهم فى الغرب يتذكرون الوقت كقيمة من خلال الشموع!!
** لذلك غرست فى الأبناء عادة احترام الوقت والالتزام بالمواعيد وتقسيم الواجب إلى مساحات متخصصة لكل الأغراض وتحول بالفعل ألا تؤجل عمل اليوم للغد إلى سلوك نفخر به وندرك قيمته **ساعدتنى هذه الخبرة بعد بلوغ المعاش فى إنجاز خريطة تستوعب المستجدات ومع تراجع مرات الذهاب للعمل واختصارها إلى يومين فقط.. تحولت قاعدة ارتكاز السلوك اليومى إلى الالتزام بمواعيد الصلاة وأدائها مع توقيت الأذان وآفردت المساحات الفائضة للقراءة والكتابة ومشاهدة التليفزيون.. الدراما والأخبار وأصبحت قادرا مثلا على النهوض لصلاة الفجر جاهزا ثم استئناف اليوم إلى صلاة الضحي.. وتناول الافطار مع صلاة الظهر والغذاء قبل أو بعد صلاة المغرب وكانت ومازالت تراجع الزيارات والبقاء وحيدا وعدم القدرة على السهرات بالأماكن العامة من أهم المشكلات لأنها نافذة مهمة للحوار والاطلاع على الأحداث واستنفار الحاسة السادسة التى يعتز بها رجال الإعلام.
** ثم يأتى عدم الاستغراق فى النوم وسهر الحواس رغم الاسترخاء على السرير ليجعل من الأرق رفيقا رغم الإرادة الداخلية ويوقظ داخل الجسم غزيرة التعبير عن الألم والوهن مما ينعكس سلبا على فترات الاستيقاظ خارج السرير بعد الفشل اليومى فى مد الاسترخاء إلى أقصى ما يستطيع العقل والحواس..
** والآن يضاعف المشكلة ما بدأت أشعر بتحوله من قطرات قليلة إلى موجات عاتية حيث اختفت تماما الرؤى والأحلام التى كثيرا ما استفدت منها مصدرا للكتابة والابداع وظننت لبعض الوقت ان بعثرة رصيد الأحلام داخل خزانة العقل.. انما يرتبط بتزايد مساحة الأرق وتغلغلها داخل خلايا النوم لأن الأحلام كحقيقة علمية تعد جزءا من منظومة النوم.. باعتباره الموعد اليومى ليخلص العقل من التكدس اليومى فى السلوك والأحداث..
**لم أجد بدا من الركون ـ مؤقتا ـ لهذا التفسير.. فى انتظار معجزة تعود فيها الساعة البيولوجية لمهمتها الطبيعية فى تنظيم الوقت وعدم اهداره فى اليقظة والمنام وان تفتح خزانة الذكريات مجددا.. تفرج عن أحلام ورؤى المنام لأنها من أهم ما خرجت به من مشوار الحياة وبكل الصدق أسأل: من لديه الروشتة الناجحة والوصفة الناجحة لهذين الأمرين!!
*صالح إبراهيم *