يمر عالم اليوم بتغيرات في مجالات حياتية رئيسة تستوجب على كل من يدير شئون الدول أن يمتلك منهجية تقوم على معايير منظومة القيم الإنسانية التي لا جدال حولها؛ فتلك سفينة النجاة نحو حاضر يُقاوم دعاة التخريب والحروب، ويدحر مخططات من شأنها أن تذهب بكيانات الدول لتتركها أطلالًا غير صالحة للمعيشة والتعايش السلمي، ويستوقف تنامي الإرهاب بكل ألوانه الذي بات له مأوى ومرسى في العديد من بقاع الأرض تشكل براثن خطورة في شتى ربوع العالم الآمن.
ومن يقع على عاتقه مسئولية كبرى يتحمل من خلالها تلبية متطلبات شعبه، ويرسم مستقبل أجيال تستحق أن تنال حقوقها المشروعة في حياة مزدهرة تتناغم مع تقدم تقني متسارع يخدم الإنسانية ويحقق لها الرفاهية في المقام الأول، ومن ثم ينبغي أن يتحلى القائد بخصائص متفردة يأتي في مقدمتها سعة الأفق وحنكة وحكمة التصرف المنسدلة من رجاحة عقل مطلع وواعي بعمق مجريات الأمور وبواطنها؛ كي تتمخض قراراته عن صناعة متأنية في بعض الأمور وسريعة صحيحة في أمور يحكمها سرعة ووجوبية التدخل الفوري.
وصناعة القائد تقوم على صقل الخبرات لديه؛ ليمتلك تقديرًا للذات مدعوم بالثقة بالنفس يرسخ لديه ماهية الثبات الانفعالي مصبوغة بالشجاعة في اتخاذ المواقف والقرارات حيال القضايا الشائكة على كافة الأصعدة؛ فهذا من شأنه يورث العزة والاعتزاز بكيان الدولة في نفوس الشعوب التي تتخذ من كرامتها سبيلًا أساسي في أطر التعامل مع الآخرين، ومن ثم تترقب تصرفات ومواقف من يمثلها، وتحرص على تقديم المساندة والدعم المجتمعي بكل صوره؛ لتحقق معادلة الأمن القومي في بعديه المجتمعي والسياسي.
ونرى والعالم يشاهد مدى حفاظ قادة الدول على العهود والمواثيق وشرف الكلمة والمصداقية في الأقوال وتزامنها مع الأفعال، والعمل بما نتغنى به من مبادئ وديمقراطيات تضمن الحرية والاستقلال والحفاظ على كرامة الإنسان وقدسية الدماء وحرمة التعدي على الغير دون وجه حق وجريمة استباحة المقدسات وجريمة التعدي على المعتقدات وامتهانها؛ فللأسف برهن الواقع الراهن هباء ما أدعته أمم وشعوب على مر عقود وأزمنة؛ مما أدى إلى توالد فكر جديد يناهض جهود الإعمار والنهضة ويدعو للنيل من الآخر.
وفي هذا الإطار يتوجب أن نستوعب أهمية منهجية القائد في ظل تحديات المرحلة؛ لنستعيد سمات المجتمعات صحيحة البنيان؛ ليعم السلم والسلام، وتتوقف شلالات الدم في أرجاء المعمورة في ضوء ازدواجية المعايير، وتستطيع الشعوب أن تستكمل مسيرة الشراكة التي تحض على البناء؛ فتستثمر الطاقات وتتضاعف الجهود، ويصبح التقدم العلمي والتقني عام الثمرة والعطاء الإنساني متدفق في الاتجاه الخير الذي يحمل الأمل لمستقبل مشرق.
إن الخلق الحميد المصبوغ بقرارات رشيدة وسلوك عملي قويم يؤكد أن صناعة القائد تمت بصورة صحيحة؛ حيث ترتبت في مؤسسات تحض على الفضيلة وتؤمن بميثاق الإنسانية وقيمها النبيلة، وهذا لن يحدث إلا بشكل مقصود ليتدرب الفكر على كل ما هو إيجابي ويستوقف كل ما يورث السلبية والعدوانية، وتتعدد لديه مجالات الخبرة النوعية والمهمة في صناعة واتخاذ قرارات الدولة المصيرية، وبدون شك ينمو في خلجات وجدانية حب الوطن والتضحية من أجله والعطاء المتواصل والعمل على تحقيق مصلحته العليا التي لا تضير بالغير ولا تهدر حقوق الآخرين مهما بلغت وتعاظمت المنفعة؛ فالشرف والأمانة تاج لا يتخلى عنه.
وتشكل الرؤية الاستراتيجية صحيحة الأركان أهمية بالغة في تعضيد علاقات الدول ببعضها البعض على كافة مستوياتها المستدامة، وهذا يعني أن يصبح لدى القائد المقدرة على التواصل المستمر مع قادة دول العالم وبذل الجهود التي تعظم من العلاقات والشراكات المتعلقة بالنهضة والإعمار وتحقيق أطر التعاون في مجالات التنمية المختلفة سواءً أكانت بالوطن أم خارج حدوده؛ فهذا الأمر دون ريب له فوائد عديدة يأتي في مقدمتها سرعة إزالة الخلافات والحد من الصراعات وبتر سبل إفشاء الضغينة والبغضاء بين الشعوب وإحداث امتزاج من شأنه يساعد على بث الاستقرار وذيوع الأمن والأمان في ظل تنامي للمصالح المشتركة.
تحديات المرحلة في احتياج لقائد يتمتع بالاستقامة التي تجعله يتخذ قرارات مدروسة تمخضت عن خبرات صادقة، وتلك الصفة النبيلة لا تنفك عن قوة العزيمة والإصرار في تحقيق الغاية العليا للوطن والتي تبدو كامنة في الحفاظ على مقدراته وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في ربوعه؛ فليس هناك ما يقابل مصالح الوطن الكبرى، وليس هناك بدل عن تنمية مستدامة تضمن رفاهية الدولة واعتلائها لمكانتها المستحقة بين دول العالم؛ فثروات الأوطان تكمن في مواطنيها ومقدراتها التي تتعاظم وتنمو بجهودهم المخلصة تحت قيادة رشيدة مخلصة تمتلك الرؤية الصحيحة.
نحمد المولى عز وجل أن منَّ علينا بقائد امتلك من الرحمة والحزم والمرونة ما مكنه من إدارة شئون البلاد بصورة أبهرت العالم؛ ففي عهده لا إفراط ولا تفريط، وندعو العلي القدير أن يوفقه فيما هو آت في ظل تحديات وأحداث جارية كالنهر الجاري.. ودي ومحبتي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.