ويُجري الله على بعض عباده، خوارق للعادة، وإن لم يكونوا نبيين، فايم الله هم أولياؤه المُصطفين…
وخوارق العادة ابتداءً تمضي على ثلاث خلال، آيات ومعجزات لمعشر الأنبياء، وكرامات للصالحين والأولياء، واستدراجات لبعض الكفار والسفهاء ، كفتنة المسيخ الدجال، الذي سيقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت …
وسأتوقف هاهنا عند خوارق العادة في كرامات الأولياء، التي كان للأمة المحمدية قصب السبق في الإنفراد بها، والتي إن جاءت بغيض من فيض كرامات أولياءها، وجاءت كل الأمم السالفة بكرامات أولياءها، لرجحت وربحت آخر الأمم وأخيرها…
وقد خلبتني كرامتان عظيمتان في هذه الأمة، إحداها لصحابي والأخرى لتابعي، أولاها للصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري، وثانيتها للتابعي أبي مسلم الخولاني….
فأما الكرامة الخارقة للعادة، التي أجراها الله في عبده الصحابي عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه، أنه لما استشهد في غزوة أحد، كلمه ربه في قبره، عبدي تمن علي ؟ قال أن تحييني فأقتل في سبيلك ؟ قال الله لقد سبق مني القول أنهم إليها لا يرجعون، ولكني أبحت لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشيا ..
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة، أنه قال لجابر بن عبدالله رضي الله عنهما، صبيحة يوم استشهاد أبيه، يا جابر ما لي أراك منكسراً؟ قال يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالاً ودَيناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟
قال بلى يا رسول الله
قال ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً، فقال يا عبدي تمن علي أن أعطيك، قال يا رب أن تُحييني فأقتل فيك ثانية، فقال الله إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون…
وأما الكرامة الثانية، فقد أوردها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، والأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، وابن عساكر في تاريخه ، والتي كانت خرقاً للعادة، على منوال معجزة إبراهيم عليه السلام، وكان بطلها من هذه الأمة أبومسلم الخولاني، الذي ألقي في النار بأمر الأسود العنسي مدعي النبوة في اليمن، فنُجي أبومسلم بقدرة الله، وخرج من النار دون أن تمسه، فلما خشي الأسود من بأسه ومن صدى منقبته وكرامته، أمر بإخراجه من أرض اليمن، فلما ذهب إلى مدينة رسول الله، وبينما كان في المسجد، إذ دنا منه عمر رضي الله عنه، وكأنما عرفه بفراسته المعهودة، فبكى واحتضنه ثم ذهب به وأجلسه بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه وقال : الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أراني في أمة محمد من صُنع به كما صُنع بإبراهيم الخليل…