عندما توجه لك الدعوة للإشراف أو حضور مهرجان عرض وتحكيم مشروعات التخرج بكليات ومعاهد الإعلام، فأنت حقًا من المحظوظين؛ لأنك علي موعد مرتقب مع الإبهار الممزوج بتوليفة نادرة من جودة الإنتاج الإعلامي وبراعة الحملات التوعوية ذات المنهج العلمي المحكم الذي يرسم ملامحه أساتذة وخبراء مبدعون يجمعون بين أدبيات المبادئ النظرية وآليات التنفيذ الفعال للتطبيقات العملية.
لقد ألقى الانفتاح الواسع في تأسيس كليات الإعلام بظلاله علي تحسين مخرجات العمل التي يشارك طلاب مشروعات التخرج بالفرقة الرابعة في دراستها وتخطيطها وتنفيذها ووضع آليات تقييمها؛ وفقا لأطر موضوعية واقعية؛ ترتكز علي مهارات النقد والتحليل والتفسير والاستنباط.
لقد كنت محظوظًا هذا الفصل الدراسي بنيل شرف المشاركة الأكاديمية على عدد من مشروعات تخرج طلاب قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا؛ لأرى أفكارًا إبداعية حول الحد من التلوث البيئي؛ كظاهرة اجتماعية وبيئية خطيرة؛ حولها الطلاب لمصدر ثروة متنامية عبر تطبيقهاتهم الرقمية وآلياتهم التكنولوجية متلاحقة الحداثة التطور؛ وهي الحملة الترويجية التي حملت اسم “TRASH GO”.
وحول مبادرات المسئولية الاجتماعية؛ جاءت الأفكار التوعوية الرشيدة متدفقة حول التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ من خلال تكاتف أجهزة ومنظمات المجتمع المدني، فضلًا عن إعداد مشروع حول ترويج معالم السياحة الدينية؛ وذلك في محاولة لإعادة إحياء التراث الثقافي الديني، هذه الحضارة العريقة التي طالما نستمد منها قيمنا وأعرافنا الأخلاقية والاجتماعية القويمة، ولم تنس المشروعات التوجه صوب الأسرة المصرية الأصيلة؛ كأولى أجهزة التنشئة الاجتماعية، ومن ثم كان لزامًا تسليط الضوء على اهمية الكشف المبكر للأمراض الوراثية قبل الزواج؛ عبر حملة توعوية متكاملة؛ حملت اسم “اختيار حياة”
هذه المهارات هي عنوان التميز البراق الذي صار مبدأً عامًا مهيمنًا علي إستراتيجية التدريس الأكاديمي بكليات ومعاهد الإعلام التي قطعت أشواطًا ضخمة نحو التأهيل المهني الكامل للطالب في مختلف التخصصات؛ ذلك شريطة امتلاك الكلية رأس مال إداري تتكامل رؤيته الثاقبة مع رأس المال المادي من تجهيزات وموارد وبني تحتية؛ يتصدي لإدراتها وتطويعها موارد بشرية فعالة؛ تمتلك الكفاءة الممزوجة بقيم التعاون، والإنجاز، والعمل الجماعي.
لم أكن منصفًا إن تناولت ظاهرة مشروعات التخرج بمعزل عن ثقافة التميز المؤسسي والعقلية القيادية التي تؤمن بأهمية الابتكار وجودة العمل المتسق مع احتياجات وأهداف المجتمع ، ويأتي ذلك عن طريق رفع معايير تقييم الأداء وتحسين القيمة النوعية؛ لبناء الثقة بين الطلاب ومشرفي المشروعات الملتزمين بمسئوليات عملهم والوفاء بوعودهم، وحرصهم المتلاحق علي تنمية قدراتهم وخبراتهم، وتحسين مهاراتهم العملية، فضلًأ عن تغليب الأهداف المشتركة للمشروع علي الاهتمامات الشخصية، والسعي الدائم نحو تجاوز مشكلات العمل التي قد تنشأ بين الطلاب، واتخاذ القرارات المشتركة؛ حتى وإن اختلفت الآراء.
عند هذا الحد قد لا يكون الأمر ملفتًا إلي حد كبير، لأن الجاذب للانتباه حقا هو ذلك الإنتاج الإعلامي الباهر العارض لقضايا إنسانية وظواهر اجتماعية؛ من واقع معايشة حياتية؛ قام بها الطلاب بصحبة مشرفيهم؛ كي يقدموا لنا أفلامًا روائية ووثائقية تجمع بين عمق التحليل وسلاسة المعني المراد توصيله؛ حينئذ يبدو الإسقاط مفهومًا، والرمزية خيالًا مصورًا.
من أين أتي الطلاب في هذا العمر المبكر بهذا المزيج الإبداعي النادر القادر علي محاكاة الواقع بل وطرح حلول واقعية لقضايا عصرية في سياقات درامية مثيرة؟ من أين أتي الطلاب بهذا القدر من الفهم والإدراك الدقيق لمنهجيات البحث العلمي كي يستنبطوا توصيات مبتكرة لحملاتهم التوعوية المتسقة مع مبادئ التخطيط الإستراتيجي مع هيئات المجتمع؟ من أين أتي طلاب قسم العلاقات العامة والإعلان بأفكارهم الخلاقًة في صحفهم ومنصاتهم الرقمية الداعية لبناء فكري إعلامي؛ يلتزم بأخلاقيات المهنة، ويطور قوالبها الإعلامية، بل ويسخرها في رصدوتحليل ومعالجة مشكلات النظام الاجتماعي؟