زمان كان الصحفى يستطيع أن يتصل بالوزير أو حتى رئيس الوزراء لإجراء مقابلة أو حوار دون قيود أو حواجز.. بل ربما قامت بينهما علاقة صداقة طبيعية لصالح الطرفين معًا..
فالوزير أو المسئول يستفيد بنقل ما يشاء من رسائل للرأي العام، ويقيم بفضلها جسورًا من الثقة والتفاعل والتواصل البناء مع المواطن الذي تعد خدمته وراحته ورضاه أهم أهداف أي حكومة تقدر شعبها، في مجتمع ديمقراطي يعتبر الصحافة أهم أدوات الرقابة الشعبية الرشيدة، ليس على الحكومة وحدها بل على البرلمان ذاته!
أما الصحفي فيستفيد بتوسيع شهرة وتوزيع
صحيفته وتحقيق انفرادات تصنع تاريخه المهنى وترفع مكانة جريدته بين الصحف.
زمان كانت أدوات الصحافة بدائية سواء في الطباعة أو التوزيع، لكنها كانت صاحبة جلالة تحقق أرقامًا هائلة في التوزيع؛ فمثلًا صحيفة الجمهورية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى قفزت لرقم توزيع قارب المليون نسخة وهو ما لا تستطيع صحف اليوم مجتمعه أن تقترب منه!
الحكومة والصحافة
ترى ماذا حدث لصحافتنا، والأهم ماذا حدث لوزراء هذا الزمان، لماذا يكتفون ببيانات يصوغها متحدثون إعلاميون صاروا ملكيين أكثر من الملك؛ وينسى أغلبهم وهو يتعامل مع زملائه، أنه إبن مهنة الصحافة التي لها عليه فضل النجاح والوجود المهنى..
فبدلًا من تيسير تدفق المعلومات إليهم بحسبانها حقًا يكفله الدستور، تراه على النقيض من ذلك تمامًا يمعن في حجب المعلومات عن زملائه، ويحرص على حجب الوزير ذاته عن الصحافة، مكتفيًا ببيانات معلبة توزع على كل الصحف والمواقع في وقت واحد؛ الأمر الذي يقتل السبق والتنافسية والإبداع ويهدر القدرات والفروق الفردية تحت أقدام الروتين والتعسف!
صحافة زمان كانت “أخذًا وردًا” ومادة مشوقة وجاذبة ومنطقة التقاء بين المسئول والصحفى لصالح الشعب.. أما الآن فلا تجد إلا بيانات بعضها جيد، وأكثرها رديء صيغ بغير حس سياسي ولا قدرات صحفية ولا رؤية مهنية تشفى غليل المتعطشين للمعلومات الموثوقة.
ومن واقع تجربتي الشخصية.. فقد تقلدت كل المناصب الصحفية.. وتعلمت من أساتذة كبار سبقوني في العمل.. وقابلت مسئولين على كل المستويات من الخفير حتي الوزير ورئيس الوزراء.. ولم يكن بيني وبينهم حجاب.. فقد كانت المصلحة واحدة وهي خدمة الناس كل الناس..
وكانت الصحافة تعبيرًا حقيقيًا عن نبض الرأي العام.. تمارس رقابة فعالة علي كل قوي المجتمع وأنظمته.. وكانت دايما وأبدا ظهيرًا للدولة تدافع عنها في كل القضايا والتحولات الكبرى..
تعاملت مع وزراء ورؤساء وزراء قابلتهم وأجريت معهم لقاءات وحوارات عديدة، بل جمعتنى ببعضهم علاقة متكافئة (حيث كانت الصحافة تتكلم من مركز قوة، بحسبانها سلطة شعبية) علاقة تنهض على احترام وتقدير متبادل وتوافق ورغبة مشتركة في خدمة جمهور القراء، وقطع الطريق على الشائعات التي لا يكاد يمر يوم الآن دون أن تخرج علينا الحكومة بنفى شائعة هنا وكذبة هناك.. فما الذي أصلنا لهذا الحال؟!
رحم الله دكتور طارق كامل صانع نهضة الاتصالات في العقود الأخيرة، وكان مثالا يحتذى في دماثة الخلق واحترام الصحفي.. ويبقى السؤال: ترى هل من مصلحة الطرفين، الحكومة والصحافة، أن تستمر العلاقة بينهما على هذا النحو الذي لا يقدر للصحافة حق قدرها، حتى باتت في مهب الاستهانة والتقزيم وصارت سمعتها على المحك دون أن تحرك النقابة ساكنًا..
وإرجعوا إن شئتم إلى بيان نقيب المهن التمثيلية بمنع الصحفيين من حضور عزاء الراحل الفنان العظيم صلاح السعدنى رحمة الله عليه، فماذا فعلت نقابة الصحفيين لردع المخطيء في حق المهنة.. صدقونى الكل خاسر من فقدان الاتصال المباشر والتفاعل الإيجابي بين الوزير والصحفي!