إن النقد الفني هو ذلك العلم والفن الذي يقوم بدور إيجابي في تناول الأعمال الإبداعية المقدمة في صورة عروض للجمهور بغية عرض عمل يفترض فيه تحقيق المتعة الفنية ( سمعية ، بصرية ، حسية ) وفكرية تستثير فكر المتلقي وتدفعه لاتخاذ موقف إيجابي تجاه قضية ما ، ولا تتنافى جدية الموضوع المطروح مع التسلية والتي يجب ألا تكون الهدف الوحيد لأصحاب العرض ، وهم المؤلف والمخرج ومصمم الديكور والشاعر والموسيقى ومصمم الإضاءة والاستعراضات والملابس ، والمؤثرات الصوتية ، التي تنصهر جميعا في بوتقة الفن حسب رؤية
مخرج العرض الكاتب الثاني للنص ، و الذي يفترض فيه فهما متكاملا ومتفهما لأغوار النص وما يريد المؤلف طرحه ، وقد ارتضيا الشكل الذي يقدم عليه ، فيحذفا أو يضيفا من وإلى النص بغية تكثيف الحدث الدرامي وتعميقه ، وكل هذا في خدمة مضمون ورسالة العرض ، ولاشك أن مردوده سيكون رائعا حين يقوم بوظيفته في تنمية الذائقة الإبداعية للجمهور .
وللنقد أخلاقيات ينبغي مراعاتها وهى المحافظة على شرف الكلمة ، بلغته الخاصة مراعيا فيها عوامل التشويق والجذب لجمهور القراء ، والمصداقية التي تجعل من المسؤولين عن العرض يأخذون بملاحظات الناقد ، أو دراسته الفنية الفاحصة المدققة للعرض حتى يصلحوا بها مكامن الخلل في العرض إن اقتنعوا بوجهة نظره وخاصة أن من صلب وظيفة الناقد السعي نحو اكتمال العرض فكريا وفنيا ، أي تحقق الجمال للعرض ، بحيث ينقد العمل لا صاحبه ، بعيدا عن المساس بالكيان الإنساني ، بلا طعن مغرض يتحول بالأمر إلى سباب ، وكل هذا في إطار من الحيدة والشفافية والنزاهة ، بعيدا عن المشاعر الشخصية تجاه المشاركين في العرض موضوع النقد ، أو المؤسسة المنتجة للعرض .
أما من ناحية الحرفية فينبغى على الناقد أن يكون واعيا مدركا لاهتمامات الجمهور يسلط الضوء على مكامن الإبداع في العمل متناولا إياه من كافه عناصره ، ومكوناته ، الصوامت ( ديكور , ملابس ، إضاءة ) ، والمسموعة ( فنية الحوار ، وتناسبه مع شخصيات العمل ، والموسيقى ، و الأغاني بأشعارها وتناسبها مع المواقف الدرامية للعرض ) ، والحركية ( أداء وتناسبه مع الشخصيات في توازنه ، وبعده عن الأداء المبالغ فيه والمفتعل ، وحركة الممثلين وانسيابيتها وتوافقها مع بعضها البعض ،والحركات الإيقاعية لاستعراضات العمل وتوافقها وإثرائها للعرض ) .
وللناقد أن يطرح هذا التساؤل ويجيب عليه ، هل تحقق للمخرج ( الكاتب الثاني للنص ) وضوح واكتمال ونضج في رؤيته لتقديم العرض؟ ، مراعيا التكثيف والتركيز والاقتصاد في الشخصيات والمشاهد لصالح الحبكة الدرامية ، مبتعدا عن المط والتطويل في الحوارات الذاتية المنفردة ( المنولوجات )، يعرضها في خفة وإيقاع مناسب لجو العمل وجمهوره ، مراعيا ذكاء جمهوره ، والمنطقية في عرض الأحداث ، في تشويق وإثارة وتوقع وترقب ، مستعيرا خفة البيان المسرحي ، محافظا على سخونة الأحداث ، وانتباه المشاهد وتفاعله ، ولن يتأتى هذا إلا بتفهمه ومؤلف النص ( الكاتب الأول للنص ) واتفاقهما على رؤية محددة يقدم من خلالها العرض ، في احترام وتقدير لدور كل منهما في إنجاح العرض المسرحي جماهيري.
ويجيب أيضا هل نجح المخرج في تحقيق إيقاع عام للعرض؟ ، أي هل استطاع أن يربط بين كل عناصر العرض المتاحة حسب الإمكانيات، ووظف كل في مكانه وزمانه من العرض ،وهل أحسن وأجاد اختار ممثليه ووظف كل على حسب قدرته الفنية ، يرى الناقد كل عنصر من عناصر العرض المسرحي على حدة ثم يربط بين توافقه وأحداث العرض والفعل الدرامي من جهة ، ثم ينظر إلى العناصر كلها في وحدة واحدة هي العرض ، مفندا العلاقات بينها ، وهل تؤثر في بعضها البعض بالسلب أو بالإيجاب من وجهة نظر الناقد .
وطبعا منها أداء الممثلين المشاركين في العرض مجيبا على تساؤل جوهري هل تحقق للممثل إيقاعه الخاص؟ ، هل توافق الأداء والشخصية؟ ، وكيفية تحكمه واستخدامه لأدواته وموهبته الإبداعية ، الصوت والحوار ، وكيفية تعامله وتفهمه للنص ، وإبرازه للحوار مركزا على رسالة ومضمون العرض ، معليا كلمته حركة الجسم ، هل أفلح في تجسيد الشخصية وانفعالاتها داخليا وخارجيا؟ ، في توازن بلا إسراف أو تقتير بل تقدير متوازن واع لمتطلبات الدور المنوط به تقديمه ، وعلاقته بالممثلين الآخرين المشاركين في العرض ، وتناسق أدائهم في عمل جماعي حتى يحاكوا الواقع في فنية عالية مما يجعل العمل يتسم بالصدق ، وجميع الممثلين صغر أو كبر دورهم يجب ألا يغفل قيمة أدائهم ، لتنصهر قدرات الجميع فنيا ويتجلى عنها إبداع كلى متوحد ، لا فرق بين كبير أو صغير في مساحة الأداء ، في جو لا يضيق على الممثل تحت سطوة نجم العمل ، مما يجعله يبرز أفضل ما لديه ، ولن يتأتى هذا إلا بتقدير كل ممثل لدور زميله المشارك معه في العمل .
سينوغرافيا العرض ( الديكور أو تصميم مشاهد العرض ) بما فيها من وحدات وإكسسوارات، ومدى مراعاتها وتوافقها مع الجو العام الذي تدور فيه الأحداث، ويجب ألا تؤثر على فراغ خشبة العرض، بحيث تتيح للممثلين حركة انسيابية يسيرة ، ولا يهم فخامة الديكور، ولا تعدد وحداته ،ولا إكسسوارات العرض، بقدر ما يهم وظيفية أدائها كوحدة إبداعية ، وجزء هام من أجزاء العرض وبنيته ،مثرية العرض دراميا، أما الملابس فينبغى أن يكون مصممها على وعى وعلم وتفهم دقيق لمدلولات الألوان ، وتناسبها مع الزمن الذي تدور فيه الأحداث ،ولابد أن يراعى في تصميمها أيضا تحقيق انسيابية لا تعوق حركة الممثل ، أما الاستعراضات فيجب أن تكون مثرية للعرض لا مقحمة عليه، كما في الاتجاه السائد الآن نحو عروض المسرح الشامل بإقحام الغناء والرقص والاستعراضات فيه، دون أن تكون ذات دلالة درامية ،وغير محققة لأي متعة فنية فكرية ، فحسن توظيف الاستعراضات يعلى من قيمتها ، وعدم استخدامها لعدم ملاءمتها للعمل لا يقلل من جماليات وحليات العمل ، بقدر ما يفسح المجال لإبراز بقية عناصر العرض متماسكة في قوة فنية ورقى ، أما الأشعار فتوظيفها الأمثل يجب أن يكون لإثراء العمل دراميا ، فمضمون كلمات الأغاني يجب ألا يكرر كحوار على ألسنة ممثلي العرض ، إلا في حدود ضيقة للتأكيد على نقطة هامة وفى أضيق الحدود ، وإلا عد هذا التكرار ترهلا في الدراما ومأخذا عليها، والإضاءة يجب أن تكثف وتركز ، مع مراعاة لألوان الأضواء ومراعاتها للمشاهد وطبيعتها الدرامية ، ومساعدة في رسم الشخصيات والمشاهد والجو العام لكل مشهد على حدة ،وذلك بتجانسها وحسن توظيفها لتشارك بدورها في إثراء العمل فنيا .
أما نظرة المشاركين في العرض لدور الناقد فيجب أن تتسم بالموضوعية والنزاهة، مدركين أنه يعرض لوجهة نظره في العرض بحيادية ونزاهة ، بعيدا عن التشكيك في شخصه وكفاءته، نظرا لاختلاف الرؤى بينهم وبينه ، فليمعن كل النظر في رأى الآخر، وليأخذ الصالح منها فنيا، وما يتوافق ورؤية العمل بنفس صافية تسعى نحو الكمال والاكتمال الفني للعرض وعناصره ، والهدف في النهاية تقديم عمل فني وقد تحققت له أقصى درجة من الإبداع، بغية تحقيق المتعة الفكرية والفنية في توازن يرقى بالحركة المسرحية ومنتجها من عروض مسرحية، وذلك من حق الجمهور على سدنة فن المسرح من المؤمنين برسالته، والحريصين على ألا يهجر الجمهور المسارح، وألا تطفأ أنوارها.