المواجهة تحتد.. بين “التنين الأصفر” والدول الغربية ..!!
زيارات متتالية للمسؤولين الأمريكيين إلى بكين .. للضغط على روسيا وإيران وكوريا الشمالية
بلينكن يهدد بـ”إجراءات ملائمة” .. والصين تحذر من “تجاوز الخطوط الحمراء”
شولتز التقى مع “شي” .. وفشل في إقناعه بحضور مؤتمر حول أوكرانيا
تحالفات أمريكية مع اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين .. لزعزعة الاستقرار في بحر الصين الجنوبي وزرع الفتن في رابطة الآسيان ..!!
شويجو: بؤر التوتر تتفاقم نتيجة لمغامرات الغرب..!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
تحولت الصين إلى قبلة للعالم الغربي في محاولة للضغط على روسيا وإيران. وكانت المواجهة بين الغرب يقيادة الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى، قد احتدمت بشأن عدد من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بمسؤولين صينيين كبار، بينهم الرئيس شي جين بينج. كما قام عدد من المسؤولين الأمريكيين بزيارات متتالية في الأشهر الأخيرة حتى مع تزايد الخلافات. وسبق أن قام المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الشهر بزيارة بكين في محاولة لكسب ود الصين وإقناعها بتغيير مواقفها تجاه كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى القضايا التجارية والتكنولوجية والجيوسياسية.
ويشير تقرير لشبكة سي إن إن إلى أن وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين كانت في بكين مؤخرا، والتقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بنظيره أيضًا. وتمكن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من الاتصال بنظيره الصيني في مؤتمر عبر الفيديو بعد أشهر من الصمت. والفكرة ــمن الجانب الأميركي ــ هي أنه كلما كثرت المحادثات بين الجانبين، كلما تعاظمت فرص تجنب الحسابات الخاطئة في أماكن مثل بحر الصين الجنوبي، والتي قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية خطيرة.
ولكن كما أشارت الخبيرة الأمريكية الكبيرة في الشؤون الصينية إليزابيث إيكونومي في مجلة فورين أفيرز، فإن “شي” مصمم على تغيير توازن القوى في العالم. فهو “يريد حل شبكة حلفاء واشنطن وتطهير الهيئات الدولية مما يصفه بالقيم “الغربية”. إنه يريد إسقاط الدولار الأمريكي والقضاء على قبضة واشنطن على التكنولوجيا الحيوية. ولن يصلح أي قدر من المحادثات تلك القضايا.
شدد بلينكن في محادثاته على أهمية “الإدارة المسؤولة” لخلافات البلدين. وقال إنه أثار مخاوفه مع شي حول دعم الصين لروسيا وغزوها لأوكرانيا، بالإضافة إلى قضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي وحقوق الإنسان وإنتاج وتصدير المواد الأفيونية الاصطناعية.
وذكرت وكالة اسوشيتدبرس أن بلينكن أبدى ارتباحه بشأن إحراز تقدم في التعاون الثنائي، وشمل ذلك الاتصالات العسكرية ومكافحة المخدرات والذكاء الاصطناعي، واتفق الجانبان على بدء حوار لتقليل مخاطر التكنولوجيا الناشئة بسرعة.
أثار بلينكن المخاوف بشأن إمداد بكين لموسكو بالأدوات الآلية والإلكترونيات الدقيقة، والتي تستخدمها روسيا لتعزيز دفاعاتها وحربها على أوكرانيا.
وأضاف: “إن تغذية القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية لا يهدد الأمن الأوكراني فحسب، بل يهدد الأمن الأوروبي وقلنا للصين إن ضمان الأمن عبر الأطلسي هو مصلحة أساسية للولايات المتحدة.. وإذا لم تعالج الصين هذه المشكلة، فسنتخذ الإجراءات الملائمة لذلك.”
ولم يوضح بلينكن كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع الأمر في حال عدم استجابة الصين، لكن واشنطن فرضت عقوبات عديدة على الشركات الصينية بسبب تعاملها مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وقال إنه حث الصين على استخدام نفوذها “لمنع إيران ووكلائها من توسيع الصراع في الشرق الأوسط” وإقناع كوريا الشمالية “بإنهاء سلوكها الخطير والدخول في حوار”.
من جهة أخرى أشاد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، بالتعاون العسكري مع الصين خلال اجتماع مع نظيره الصيني دونج جون في عاصمة كازاخستان أستانا. وقال: “نجري بانتظام تدريبات قتالية مشتركة في البر والبحر والجو، ونمارس بنجاح مهام التدريب القتالي…”
أضاف إن “بؤر التوتر الجديدة تظهر والبؤر القديمة تتفاقم. وهذا نتيجة للمغامرات الجيوسياسية، والإجراءات الاستعمارية الجديدة الأنانية للغرب.
أجرى بلينكن خلال زيارته للصين محادثات مطولة مع وزير الخارجية الصيني وانج يي ووزير الأمن العام وانج شياو هونج.
وشدد بلينكن ووانج على أهمية إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، وأعربا عن أسفهما للانقسامات المستمرة والعميقة التي تهدد الأمن العالمي.
في بداية اجتماعه مع بلينكن، حذر وانج يي، الولايات المتحدة من أن التحسينات الأخيرة في علاقات البلدين معرضة للخطر بسبب “الاضطرابات” التي قد تعيدها إلى “دوامة الهبوط” وتؤدي للتنافس والمواجهة والصراع.
أوضح وانج لبلينكن خلال المحادثات، الشكاوى الصينية بشأن السياسات الأمريكية حول بحر الصين الجنوبي وتايوان وحقوق الإنسان وحق الصين في إقامة علاقات مع الدول التي تراها مناسبة، قائلاً: “نحث الولايات المتحدة على عدم التدخل في شؤوننا الداخلية، وعدم إعاقة التنمية في الصين، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء بشأن سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية. “
كان بلينكن وصل إلى الصين الأربعاء الماضي، قبل وقت قصير من توقيع بايدن على حزمة مساعدات خارجية قدرها 95 مليار دولار وتتضمن عناصر تثير غضب بكين، منها 8 مليارات دولار لمواجهة موقفها تجاه تايوان وفي بحر الصين الجنوبي. كما تسعى واشنطن لإجبار شركة ByteDance الصينية، وهي الشركة الأم لمنصة TikTok على بيع هذه المنصة.
ويخصص مشروع القانون 61 مليار دولار لأوكرانيا للدفاع عن نفسها من الغزو الروسي. وقالت الخارجية الصينية إن الموقف الأمريكي بشأن التجارة الدفاعية الصينية مع روسيا يتسم بالنفاق بالنظر لحجم المساعدة العسكرية التي تقدمها واشنطن لكييف.
اختلالات عديدة
استغرقت زيارة بلينكن للصين ثلاثة أيام وتأتي بعد خمسة أشهر من قمة الزعيمين الأمريكي والصيني جو بايدن وشي جين بينج على هامش قمة “أبيك” بمدينة سان فرانسيسكو، والتي أعقبها انخفاض التوتر بشأن تايوان، وإعادة الاتصالات بين جيشي البلدين والتعاون في مكافحة المخدرات.
وفي بداية الاجتماعات بين الوفدين الأمريكي والصيني في بكين، أشار وانج إلى أن العلاقات الثنائية تمر بنقطة تحول. وقال إنها، منذ قمة بايدن وشي في نوفمبر، “بدأت في الاستقرار” مع زيادة الحوار والتعاون.
وقال وانج: “هذا موضع ترحيب لكن لا تزال العوامل السلبية تتزايد وتتراكم، وتواجه العلاقة كل أنواع الاختلالات”.
ويقول مسؤولون أميركيون إن الهدوء النسبي الذي شهده مضيق تايوان منذ قمة بايدن وشي، تزامن معه، احتكاك متزايد في بحر الصين الجنوبي بين الصين -التي تطالب بالسيادة على معظمه -والدول المجاورة، وخاصة الفلبين، حليفة الولايات المتحدة.
وويشير تقرير للجارديان إلى أن التعاون في مكافحة المخدرات كان أحد الموضوعات الرئيسية في محادثات بكين وفي قمة نوفمبر، واتخذت الصين خطوات للحد من توريد المكونات والمعدات الكيميائية التي يستخدمها المتجرون لصنع مادة الفنتانيل الأفيونية الاصطناعية، وهي السبب الرئيسي لوفاة الأمريكيين، بين 18 و49 عاما. وترى واشنطن أن التدابير التي اتخذتها بكين كانت رمزية.
ربما تكون الولايات المتحدة غارقة في أزمات عميقة بالشرق الأوسط وأوكرانيا، ولكن التحدي الأكثر أهمية الذي يواجه البيت الأبيض يظل هو القوة العظمى الجديدة المنافسة لأميركا في آسيا والمحيط الهادئ.
ورغم التهديد باتخاذ إجراء أمريكي، أشار مسؤول بالخارجية الصينية إلى أنه من غير المرجح أن تتراجع بكين عن دعمها لموسكو، ودعا، خلال مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام الحكومية، الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على الكيانات الصينية.
وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، اتهم مسؤول بالخارجية الصينية الولايات المتحدة “بالهوس لإجبار حلفائها على تشكيل زمرة مناهضة للصين” و”التدخل في بحر الصين الجنوبي وزرع الفتنة بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وبينما تعهد القادة الشيوعيون الصينيون المتعاقبون بتحقيق “إعادة التوحيد”، قال شي مرارا إن قضية تايوان “لا ينبغي أن تنتقل من جيل إلى جيل”، وكثف الضغوط الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية ضد تايبيه.
يُلزم قانون العلاقات مع تايوان واشنطن بتوفير أسلحة للجزيرة، واقترح بايدن مراراً أنه سيستخدم عسكريين أمريكيين للدفاع عنها الصين لها.
وذكر تقرير لوكالة أسوشيتدبرس أن الجانبين ناقشا الوضع في الشرق الأوسط. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الصين تتمتع بنفوذ لدى طهران نظرًا لكمية النفط التي تستوردها من إيران. وقال ماتيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن بلينكن طالب بضرورة تدخل الصين “أكثر” مع إيران “لتكون أقل استفزازا في المنطقة”.
و يشير تقرير لشبكة سي إن إن إلى أن بلينكن أثار مخاوف بلاده من جهود الصين لتعزيز ترسانتها النووية وكذلك حالات الأمريكيين الذين مُنعوا من مغادرة الصين بسبب حظر الخروج.
وقبل الزيارة، قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: أن الإجراءات المخطط لها ستستهدف “الشركات التي تتخذ خطوات تتعارض مع مصالحنا وبطرق تقوض الأمن في أوكرانيا وأوروبا.”
وأصدر وزراء خارجية مجموعة السبع بيانا شديد اللهجة في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قائلين: “يجب على الصين ضمان توقف دعم روسيا.”
وفي وقت سابق من هذا الشهر، عقدت الولايات المتحدة واليابان والفلبين قمة ثلاثية في البيت الأبيض، أكدت على التحالف الأمني بين الدول الثلاث في مواجهة “السلوك الخطير والعدواني في بحر الصين الجنوبي”، وذلك بعد أقل من عام على قمة مماثلة في كامب ديفيد مع اليابان وكوريا الجنوبية. وفي السنوات الأخيرة، شكلت الولايات المتحدة اتفاقية أوكوس الأمنية مع أستراليا والمملكة المتحدة.
تحدث بلينكن ووانج ست مرات منذ حرب غزة في 7 أكتوبر حول الوضع في الشرق الأوسط، وحثت كل من الولايات المتحدة والصين شريكيهما، إسرائيل وإيران، على ضبط النفس عندما هددت هجماتهما المتبادلة بإشعال حرب شاملة.
وتريد واشنطن أن تفعل بكين الشيء نفسه مع كوريا الشمالية. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، ابتعدت الصين عن محاولة التأثير على بيونج يانج، حيث كثف النظام الكوري الشمالي خطابه التهديدي ضد كوريا الجنوبية وقام بتسريع إطلاق الصواريخ منذ بدأ تعميق علاقته بروسيا.
وتتخذ إدارة بايدن العديد من التدابير الاقتصادية التي تحد من وصول الصين للاقتصاد والتكنولوجيا الأمريكية. وتستعد واشنطن لرفع الرسوم الجمركية على الصلب الصيني والألواح الشمسية وغيرها لحماية المصانع الأمريكية من الواردات الرخيصة. كما تدرس فرض مزيد من القيود على وصول أشباه الموصلات المتقدمة للصين لمنعها من تطوير ذكاء اصطناعي متقدم يمكن استخدامه عسكريًا.
وقال شي إن فرض عقوبات جديدة على الصين لا يعني “التخلص من المخاطر”، بل يخلق المخاطر.
وقال تقرير لموقع نيويورك تايمز، إنه رغم شكاوى الصين من جهود الحكومة الأمريكية للقضاء على تيك توك، فقد حظرت الصين نفسها منذ عقود خدمات التواصل الاجتماعي الغربية الأخرى. وقالت شركة أبل قبل أسبوعين إن بكين أمرتها بإزالة تطبيقي WhatsApp وThreads من متاجر التطبيقات في الصين.
ويقدر مجلس الأعمال الأمريكي الصيني (مجموعة من 270 شركة أمريكية تمارس أعمالا تجارية في الصين) أن الصادرات الأمريكية للصين دعمت أكثر من 900 ألف وظيفة أمريكية عام 2022.
زيارة شولتز
وقد زار المستشار الألماني أولاف شولز، الصين في منتصف هذا الشهر للمرة الثانية منذ توليه منصبه، يرافقه وفد تجاري كبير. واختتم شولتز زيارته باجتماع مطول مع زعيم الحزب الشيوعي الصيني شي جين بينج.
وكما فعل بلينكن في محادثاته مع شي، حث شولتز بكين على التوقف عن إرسال الأسلحة لروسيا. وقد تأمل الصين في جعل موسكو أكثر اعتماداً على بكين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتعزيز تحالف “الأنظمة غير الديمقراطية” ضد الغرب.
وذكر تقرير على موقع كارنيجي يوروب أن الصين لن تكون هي التي تحدد نتيجة الحرب في أوكرانيا. وقد تكون ألمانيا إلى حد كبير، فإذا قدمت برلين الدعم العسكري الذي تحتاجه كييف، فمن الممكن تغيير مسار الحرب.
وكان بإمكان ألمانيا أن تلعب دوراً في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. لكن ماضي برلين يؤكد التزامها بأمن إسرائيل.
وتقول النيويورك تايمز إن شولتز، حرص طوال زيارة على تعزيز مصالح الشركات الألمانية التي تجد صعوبة متزايدة في المنافسة في الصين. كما أعرب عن قلق الاتحاد الأوروبي من أن سوق المنطقة أصبحت مستودعًا للسلع الصينية.
وكانت تلك أول زيارة يقوم بها الزعيم الألماني للصين منذ أن تبنت حكومته استراتيجية حددت التنين الأصفر بأنه “شريك ومنافس نظامي”، داعية ألمانيا إلى تقليل اعتمادها على البضائع الصينية.
كانت رحلة شولتز مثالاً على الرقصة الصعبة أو السير على الحبال حيث تحاول ألمانيا الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع الصين مع إدارة الضغوط الأمريكية للتحالف مع واشنطن ضد بكين.
وفي اجتماعه مع شي، قال شولتز إن حرب روسيا على أوكرانيا وتعزيز أسلحتها. “تؤثر بشكل مباشر على مصالحنا الأساسية. “إنها تضر بشكل غير مباشر بالنظام الدولي بأكمله”. ورغم الضغط على هذه القضية، فلا يبدو أنه فاز بالتزام الزعيم الصيني للمشاركة في مؤتمر دولي لأوكرانيا سيعقد في يونيو.
وتأمل الصين في دق إسفين بين أوروبا والولايات المتحدة من خلال مغازلة قادة مثل شولتز. وصورت وسائل الإعلام الرسمية زيارته بأنها دليل على قوة علاقات الصين مع أوروبا، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع ألمانيا.
وقد استثمرت شركات صناعة السيارات الألمانية مليارات الدولارات في الصين، حيث يأتي قسم كبير من إيراداتها. وهناك قلق من أنه إذا فرضت المفوضية الأوروبية تعريفات أعلى على الواردات الصينية، وردت بكين، فإن الشركات الألمانية ستعاني أكثر من غيرها.
وتهدد الولايات المتحدة الصين بفصل البنوك الصينية التي تسهل التجارة مع روسيا من النظام المالي العالمي القائم على الدولار الأمريكي، حسبما ذكر موقع wsws. وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين خلال زيارتها للصين من أن “أي بنوك تسهل المعاملات الكبيرة في السلع العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج والتي تفيد القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية تعرض نفسها لخطر العقوبات الأميركية”.