ما صرح به السيد رئيس الجمهورية من أن مصر تُعد نقطة رئيسة لنقل البيانات في العالم، وأن الدولة دشنت البنية الأساسية وفيها مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، وهذا دلالته واضحة بأن الجمهورية الجديدة سعت بكل قوة، لتواكب التطورات العالمية في كافة المجالات، إيمانًا من قيادتها السياسية الرشيدة بأهمية اللحاق بركب التطور والحداثة، وأنه لا مجال للتخلف أو التأخر عنه؛ فوطننا الغالي بموقعه الاستراتيجي يمر به (90%) من الكابلات البحرية الموجودة بالعالم، ومن ثم فهو محور مهم لنقل البيانات ينبغي العمل المتواصل والجاد للاستفادة منه.
وندرك أن ماهية التحول الرقمي تشير إلى عملية انتقال أعمال المؤسسة من نظامها السائد لنظام قائم على توظيف التقنية الرقمية في أداء أعمالها، ومن ثم توظيف التكنولوجيا كهيكل تنظيمي يشمل المدخلات والعمليات والخدمات التي تُقدمها المؤسسة؛ تستطيع أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في أداء أعمالها؛ لذا يعبر عن التحول الرقمي بكونه الإفادة الوظيفية من التقنيات الرقمية؛ لتتمكن المؤسسة من تحقيق الكفاءة في إنجاز مهامها، وعليه يعمل التحول الرقمي على انتقال المؤسسة لنظام واسع النطاق بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ ليساهم في إنجاز الأعمال وتطوير المخرجات وتقديم الخدمات، بما ينعكس على الأداء المؤسسي ويحقق الفعالية في الخدمة أو المنتج المقدم.
وحري بالذكر أن ثمرات التحول الرقمي تكتمل بتوافر كوادر بشرية مدربة ومؤهلة؛ لتصبح مصر من خلال استراتيجيتها الرقمية قادرة على تحقيق التنمية الصناعية الخاصة بالتعهيد، والتي ينبري عنها توفير كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات تسهم في جذب كبرى الشركات الأجنبية والمحلية منها، وهذا من شأنه يوفر العديد من فرص العمل لشبابنا الصاعد في الاقتصادي المعلومات التقني، وهذا ما أكد عليه سيادة الرئيس بشكل صريح أثناء جولته التفقدية بمركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية في طريق العين السخنة، وشدد في حديثه على أهمية الدفع بالمتعلمين وتشجيعهم بالمجالات التقنية بداية من السلم التعليمي، بما يضمن توفير فرص عمل لامتناهية لهم.
ومصر الجديدة لديها رؤية تقوم في الأصل على الاستثمار في عنصرها البشري؛ حيث وفرت مقومات هذا الاستثمار بجامعات ذات مواصفات عالمية دشنت لها تستهدف تخريج متعلم رقمي يقدم خدمات رقمية متكاملة ومتعددة للمواطن في كافة مجالات الحياة، من خلال الاستفادة الوظيفية للبنية التحتية الرقمية (التقنية) التي تساعد في تقديم خدمات متكاملة تتسم بالدقة والسرعة، وتقلل من الهدر في الطاقة البشرية والمادية، وتقضي على أوجه الفساد المحتملة، وتوفر المساحات المكانية والاستيعابية، وتحدث نقلات نوعية في كل ما تقدمه من خدمات في شتى المجالات التي تخدم الفرد والمؤسسة على السواء.
إننا نعيش في واقع حلمنا به من عقود، يقوم على التحول الرقمي المتكامل والتي تتبناه مؤسساتنا لما له من الفوائد التي يصعب حصرها؛ حيث توفير الوقت والجهد والمال، والتحسين والتطوير، والحدّ من المشكلات، والتغلب على ما يطرأ من صعوبات وتحديات، وتغيير الروتين اليومي الممل، وزيادة الحماسة، وتحفيز الهمم، واستمطار الأفكار، ما يؤدي إلى مزيد من الابتكار والتجديد، وصولًا إلى تحقيق الريادة والتنافسية في المجالات المختلفة.
إن نجاح الجمهورية الجديدة في التحول الرقمي المتكامل كان نتيجة لتوافر البنية التحتية والفوقية التقنية، وعلى المهارات النوعية التي يمتلكها القائمون على تقديم الخدمات في صورتها الرقمية، وعلى الوعي الإيجابي نحو ضرورة هذا التحول في الوصول إلى جودة الحياة التي يحلم بها الفرد والمجتمع؛ ليتحقق لديهم مستوى الرضا الذي يؤدي إلى الاستقرار على كافة المستويات، ومن ثم ينبغي العمل على تعليم أبنائنا فنون البرمجة وعلوم البيانات لأهميتها في المستقل المحلي والعالمي، وهذا ما دعا إليه الرئيس بصورة مباشرة؛ فما بذلته مصر من جهود لتطوير المجال التقني يفوق الخيال.
وتذكيرًا باستراتيجية مصر التي أدت إلى أن تصبح الدولة سوقًا حيويًا في مجال التعهيد، والتي تقوم على محاورها الأربعة، متمثلة فيما تقدمه من خدمات تكنولوجيا المعلومات، وخدمات عمليات الأعمال، وخدمات المعرفة، وأبحاث وتطوير الهندسة، وهذا ما زاد من أعداد العمالة وفتح مجالات مستحدثة، بما يُعد نقطة انطلاق مضيئة نحو مستقبل مشرق في عالم الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الشأن نثمن جهود ودعم الرئيس لتحقيق حلم التحول الرقمي بالجمهورية الجديدة، ولا ريب أن ذلك يفي بمتطلبات الحوكمة الذكية التي كثيرًا ما نادينا بها؛ فتصبح الدولة على مدار الساعة متاحة خدماتها لمواطن يتحمل مسئولية نهضتها وتقدمها ويحافظ على مقدراتها في ظل التحديات غير المسبوقة التي تحدق بالعالم بأسره.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر