سطوة والدها أفقدتها تذوق متعة الاختيار في الحياة ، ماكادت تنتهي من دراستها الثانوية،قبل أن تتفجر فيها أي مشاعر ، اقتناها ، تزوجها ابن عمها ، انتقل بها من الحارة- التي لم تك تختلط بسكانها إلا في أضيق الحدود- إلى شقة بحي راق،بجوار محله التجاري، رزقا بطفلين ، تعلما في مدارس الحي الراقي ، قبيل انتهاء دراستهما الجامعية فاجأها ببيع محله ، عودته متأخرا ، نومه طوال اليوم ، لم يقصر في احتياجاتهم اليومية ، لم تكن تجرؤ على سؤاله عن أحواله ، تعيش الحياة بطريقة آلية ، سعادتها الوحيدة في ابنها وبنتها ، فوجئت بزوجها ،فلتجمعي كل الأثاث وحاجياتنا،لماذا ،لقد بعت الشقة ،أي شقة ،شقتنا هذه ، سننتقل للإقامة في شقتك التي خصصها لك أبوك رحمه الله في الحارة، وسط أخوتك وأخواتك، تعلم أن شقيقي خرج لتوه من السجن بعد مقتله ابنته ، في منزلنا بالحارة ،ولا أعتقد أن ابنتك وابنك سيتكيفان مع الإقامة هناك ،لقد اتخذت قراري،هيا فلتنجزي ما أمرتك به، سمعت وأطاعت،في لحظة صفا اعترف الزوج بأن رفاق السوء جرفوه معهم في لعب القمار ،مما أفقده ثروته ،محله ،شقته،لم يجد حلا إلا العمل -لدى أحد رفاق السوء – في محله الذي اضطر لبيعه ليسدد دين القمار ، تاب بعد ضياع كل شيء ،انهى ابنه دراسته،سافر للعمل بالخارج ،أما ابنتها وقد تخرجت من الجامعة ،لم تستوعب ماحدث،إذ انتقلت من الحي الراقي للحارة الشعبية ،انتزعت من صديقاتها ، ذكرياتها ،لتعيش منعزلة ،ليس تكبرا ولا تأففا ولاسخطا، ولكن الفجائية أصابتها بالاكتئاب،خاصة بعد أن ابتعدت عن ابن الجيران ،حبيب طفولتها ، زميلها بالجامعة ،قطعت علاقته به، غلقت السبل كي لا يحاول زاعمة ارتباطها بغيره ، آثرت التباعد كي تجنب نفسها المفارقة الطبقية بعد تردي أحوالهم اجتماعيا ، اعتيادها السمع والطاعة أضفى عليها سلبية طاغية ، أفقدتها القدرة حتى على المحاولة أن تراجعه، تدهورت نفسية ابنتها ، ذبولها شحوبها، أحزنها كثيرا ، أخبرها زوجها بأن وافق على زواج ابن أخيه من ابنته،دون استشارة ابنته ،لتتكرر القصة ذاتها في هذه العائلة ، لم ترفض البنت ولم تقبل ،سمعا وطاعة ليعيشا حياة بلا لون ولا طعم ولارائحة ،خالية النكهة ، مجردة من المشاعر والأحاسيس،لتنضم مع أمها إلى زمرة النساء الآليات.