تأتي الآثار الاجتماعية لظاهرة التضخم في المجتمع المصري أهمية كبيرة لما تمثله هذه الظاهرة من آثار سلبية على البناء الاجتماعي وخصوصا زيادة معدلات الفقراء وتعميق مشكلة الفقر.
لم يعد لدى الأفراد في هذه الأسر أي قدرة على التنبؤ بالمستقبل أو التخطيط له بسبب وقوعهم شبكة من الحرمان والعجز المتصل الذي أدى إلي صراعات ومشاكل اجتماعية وأزمات معيشية متكررة ومستمرة.
هذا الحرمان المستديم والعجز المطلق لأفراد هذه الأسر سوف يؤدى حتما إلى كوارث اجتماعية نتيجة الارتفاع المستمر في متطلبات الحياة اليومية الضرورية.
لقد عاد التضخم مرة أخرى، وهو يلحق الضرر بالجميع. إذ أدى تزايد النشاط الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية معاً في عام 2021 إلى دفع التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008 وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بلغ التضخم أعلى معدلاته منذ عام 2011،
حيث يتجاوز اليوم المستويات المستهدفة في أكثر من نصف هذه الاقتصادات التي لديها إطار لتحديد أهداف التضخم. لاشك أن التضخم يمثل مشكلة دائمة في حد ذاته عالميا ومحليا، وان اختلفـت آثاره وحدته في كل زمان ومكان. لان التضخم يمثل دائما العرض المرضى للأداء الاقتصادي أولا الاجتماعي ثانيا
. وغنى عن البيان أن التضخم له أثارا اجتماعية سلبية وخطيـرة علـى البنـاء الاجتماعي برمته لما يحدثه من انعكاسات وخصوصا على الفقراء عموما. فالتضخم ملامحه الخاصة نظرا لما يعكسه من آثار ومـشاكل للبنيـة الاقتصادية في مصر خصوصا بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر الذي أدى إلى إعادة هيكلة المجتمع طبقا للنموذج الرأسمالي العالمي
. حيث أدى إلى تخفيض قيمة العمل إلغاء الرقابة إلى حد كبير على الأسعار وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات هو ما خلق حالـة مـن تنـامي قـوى الاحتكار المحلى والعالمي وسيطرتها على السوق – الأمر – الذي عقد من مشكلة التضخم في مصر وأصبح لها جانبين:
الأول متمثلا فـي الارتفـاع المتواصـل للأسعار والثاني التدهور المستمر في القوة الشرائية للنقود. ومهما يكن من أمر فان الآثار الاجتماعية للتضخم ليست من الضآلة أو عـدم الأهمية بحيث تستدعى ضرورة المواجهة الحاسمة لهذه الظاهرة والتي باتـت إحدى القضايا الحيوية التي تعترض مسيرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المصري.
والثاني – متمثلا هذا بالإضافة إلى أن التضخم يعيد توزيع الدخل القومي والثروة القومية بـشكل متفاوت وهو أمر ينجم عن ضغوط اجتماعية وربما سياسية.
وعندما يصل الغلاء وزيادة الأسعار وارتفاع مستويات التضخم إلى مـستويات عالية سوف يهدد حتما الاستقرار السياسي والاجتماعي حيث أن الزيادة المفرطة والمستمرة في الأسعار تلتهم الأجور والأرباح فتقضى على الدافع للعمل، وتقتـل الحافز على الاستثمار فتعبث باستقرار الدول المتقدمة وتعوق عمليات التنمية فـي الدول النامية
ومن هنا يكون للتضخم معنى شامل فقد يكون معبـر عمـا تعانيـه الجماهير العريضة من الناس سواء الزيادة في الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية
وتلك الاختناقات المتعاقبة في الإعلان العرض عن السلع مما ينعكس أثره علـى حياة الأفراد الاجتماعية وتطلعاتهم.
ومع ازدياد حجم التضخم ومعدلاته في المجتمع المصري كان من الطبيعي أن تزداد الحاجة إلى العديد من الدراسات السوسيولوجية في المجتمع المصري نظـرا للندرة داخل هذه المساحة البحثية الهامة والتي يجب أن تهتم بها العلوم الاجتماعية في مصر مستقبلا.
فلقد أصبح التضخم حقيقة دامغة تؤثر في الحياة اليومية وفـى القرارات المجتمعية والاقتصادية ومختلف المجالات الحياتية.
لقد أصبحت مصطلحات التضخم والغلاء من أكثر المصطلحات شـيوعا فـي وسائل الإعلام المختلفة – المحلية منها والعالمية –
ويمكن القول أن عالمنا يعـيش ما يمكن أن نسميه (عصر التضخم) حيث أصبح الارتفاع المستمر في الأسـعار ظاهرة عالمية تتميز بسرعة الانتشار، وصعوبة السيطرة ويندر أن نجد دولة فـي المعمورة لم تتأثر بوطأة التضخم.
ويعانى المجتمع المصري من فجوة رهيبة بين الأسـعار الملتهبـة والـدخول المتواضعة ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي عام 2009 هناك علاقة قويـة بـين تضخم أسعار الغذاء في مصر، وسعر الغذاء العالمي.
ولقد واكب التضخم في مصر ارتفاع واضح في تكاليف الإنتاج هـذا ويتـسم التضخم في مصر بالتنوع أي يشمل أنواع متعددة فمنه: التضخم الطليق والمكبوت والزاحف كما تشكل ظاهرة التضخم في مصر عقبة في سبيل التقدم على طريـق التنمية، وبذلك يكون المدخل الحقيقي للإصلاح الاقتصادي في مصر لأنه مـشكلة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية الأثر المدمر لها يبدو بـصفة خاصـة عندما يفقد المواطن الثقة في عملته الوطنية.
ولقد طبقت الحكومة سياسات الإصلاح الاقتصادي بناء على اتفاقها مع صندوق النقد الدولي وهى في حقيقتها سياسات تضخمية في المقام الأول أي أنهـا تـدفع الأسعار دوما نحو الارتفاع وذلك بسبب سياسة تحرير الأسعار بعد رفع الدولـة يدها من الرقابة على الأسعار.
ولا يمكن لسياسة الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي هذه أن تنعـزل عـن الأزمات العالمية، ومن ثم فقد تأثرت هذه السياسات بتصدير الكـساد إليهـا مـن الغرب كما ترتب على إعادة الهيكلة نتائج اجتماعية عميقة أهمها إعلاء دور راس المال على حساب العمل ويمثل الكسب من العمل فقط مـصدرا للـدخل بالنـسبة للسواد الأعظم من الناس مما يعنى خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادي انتـشار البطالة والغلاء والفقر. وهكذا تؤثر هذه السياسات على مستويات معيشة الأفراد في المجتمع المصري وفى أدوارهم المتعددة كمنتجين للسلع والخدمات وذلـك مـن خلا تأثيرها على فرص العمل المتاحة، وعلى مستوى أسعار السلع والخدمات.
ومما لاشك فيه إن إلغاء الدعم عن بعض السلع والخدمات مثل: دعم الغـذاء أو العلاج ينعكس على الأسر المنعدمة أو الفقيرة التي تمثل20 % من السكان، وفقـا لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في مصر.
وحيث تبدو وطأة الإحساس بلهيب الأسعار بشكل خاص لـدى هـذه الفئـات الفقيرة ممن حرموا من امتلاك آليات التكيف الإيجابي مع التضخم، نظرا للتجميد المفروض على أجورهم وحرمانهم من وسائل الـدفاع عـن تـدهور أجـورهم الحقيقية.
مما يؤدى إلى تدهور القوة الشرائية وتزايد معدلات الحرمان النسبي المطلـق عند الفقراء فالتضخم يؤدى إلى استنزاف الكادحين وإفقارهم حيث يخفض ذلـك من إنفاق الأسر على الاحتياجات الضرورية من غذاء وكـساء وصـحة وتعلـيم وترفيه
وتكمن أهم أسباب ارتفاع معدلات التضخم في الآونة الأخيرة فـي الأسـباب المؤسسية والتنظيمية المتعلقة بأسواق السلع والخدمات في مـصر، عـلاوة علـى ممارسات احتكارية في مجالات عديدة للإنتاج والتوزيع والمغـالاة فـي هـوامش الربح حيث يعد التضخم انعكاسا ونتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة وان وجوده في الاقتصاد يعنى فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق احد أهم أهدافها إلا وهـو هدف الحفاظ على الاستقرار العام.
فالتضخم يعمل على التهام الأجور والأرباح ويقضى على الدافع للعمل، وتقتل الحافز على الاستثمار، فبذلك يعبث باستقرار الدول المتقدمـة ويعـوق عمليـات التنمية في الدول النامية ويعيد توزيع الدخل القومي والثروة بين الأفراد بطريقـة عشوائية تمت بصلة لمبادئ العدالة الاجتماعية أو الكفاءة الإنتاجية فكلما ارتفع مستوى الظلم الواقع على بعض فئات المجتمع. ويحدث هذا النوع حينما تنعدم أو تضعف القدرات التي تقوم الدولة بتزويدها للمواطنين وتتمثل أساسي في السلع العامة أي الخدمات والتسهيلات المقدمة والتي تقوم الدولة بواسطتها بتوفير الأصول غير المادية التي تتمثل في الصحة والتعلـيم والحماية الاجتماعية وغيرها من حقوق المواطنة وبذلك تعالج عدم التكافؤ وعدالة التوزيع.
فالفقر إذن مشكلة اجتماعية، يفرزها النقص في الموارد، وسوء توزيع الثروات، وغياب نظام فعال للتكافل الاجتماعي؛ مما يسبب نقـصا فـي إشـباع الحاجـات الضرورية لمواجهة متطلبات الحياة.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان