القرآنيون (زنادقة العصر والملاحدة الجدد) وتغييرهم لدين الإسلام
أولا: قولهم في أركان الإسلام: الشهادتان والصلوات الخمس
- إخواني الكرام: ذكرتُ لحضراتكم من قبل أن هذه الطائفة لا تَعترف بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن عندهم هو مصدرُ الدين الوحيد، وهو يكفي في معرفة الدين كله، ولا حاجةَ إلى أي مصدر آخر معه: لا أقوال الرسول ولا أفعاله، ولا سيرته، ولا أقوال أي عالم من الصحابة أو التابعين أو غيرهم إلى يومنا هذا.
-وكلُّ ما لم يذكرْه القرآنُ صراحةً فلا وجودَ له في الدين أصلًا، وهو مما زاده كهنةُ الدين وأبالسة الفقه تبعًا لرغبة الخلفاء الظلمة كما زعموا.
-فالقرآنُ مفصلٌ تفصيلًا تامًّا، وبه كمُلَ الدينُ، ولا حاجة للمسلمين في بيان دينهم غير القرآن، حتى العبادات عندهم فهي مُفصَّلة في القرآن، ولا حاجةَ بهم إلى الاقتداء بالرسول في بيانها. - ثم يجب تفسيرُ القرآن من القرآن نفسه بما تراه عقولُهم، ولا حاجةَ إلى النظر في معاجم اللغة ولا غيرها.
- وذلك لأن الرسول لم يفسر القرآن، وإذا فسره فهو يفسره بالمعلومات التي كانت سائدةً في عصره، في منطقة صحراوية ولها طبيعة خاصة في كل شيء، ولا تلزم مَن بعدهم.
- ثم عندهم أن الرسول بشرٌ، يقع في الذنوب والمعاصي ويعصي الله، بل عندهم أن الرسول لم يُطبق الإسلامَ تطبيقًا تامًّا؛ ومن ثم فلا يُسَلَّمُ لأقواله ولا لأفعاله في الدين.
- وقال بعضُهم: إن الرسول لم يتكلم بحديثٍ واحدٍ مع القرآن، وأنَّ كل ما نُقل عنه فهو محضُ افتراءٍ عليه، وهو برئ منها. (كما يقول محمد هداية)
ماذا نتج عن هذا المعتقد؟
أولًا: تحريف أصول العقيدة أو إنكارها.
ثانيًا: هدم أركان الإسلام بدايةً من الشهادتين، والصلاة والزكاة والصيام والعمرة والحج، وتحريف معانيها وأحكامها المعلومة لدى المسلمين، وأن هذه العبادات ليست من فرائض الدين، وأنه لا حرجَ على من تركها ولا عقابَ عليه في الآخرة.
ثالثًا: إنكار كثير من أحكام الشريعة التي تُعتبر من أصول الإسلام، والتي انتشر حكمُها بين المسلمين بالقرآن والسنة.
-وسنتكلم أولا عن أقوالهم ومعتقداتهم في أركان الإسلام الخمسة ، ثم نتكلم بعد ذلك عن عقائدهم، وأقوالهم في بعض الأحكام الشرعية.
وقبل عرض أقوالهم في أركان الإسلام سأتكلم عن ثلاثة أمور
-الأمر الأول: أن الناظر في مجموع أقوال هذه الطائفة، في العقيدة والعبادة والشريعة، يعلم يقينًا أن دينَهُم هذا ليس هو دينَ الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تلقاه المسلمون منه، وصاروا عليه منذ 1440 سنة، بل هو دينٌ آخر غيرُ دين الإسلام قطعًا.
- الأمر الثاني: أن معظم أقوالهم في العقيدة والعبادة والشريعة مما يُعَدّ من إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وهو كفرٌ وردةٌ صريحةٌ عن الإسلام، واتفق على هذا علماء المسلمين قاطبةً إلى يومنا هذا؛ لأنه يتضمن قطعًا تكذيبَ القرآن ورَدَّ آياته التي تأمر بطاعة الرسول، واتباعه، والتحاكم إليه، والرضى بقضائه، وتحريمِ ما يُحَرِّمُه.
-الأمر الثالث: مع أنهم جميعًا يشتركون في إنكار السنة القولية والفعلية، والاعتمادِ على القرآن الكريم فقط؛ إلا أنهم يختلفون في كثير من الأمور الدينية فيما بينهم، فقد يُثبت أحدُهم شيئًا وينفيه الآخر، وقد ينكر أحدُهم ما يقبله الآخر، فكلُّ واحدٍ منهم له أقوالٌ منفردة بحسب ما يمليه عليه شيطانُه.
-ومن ثم فلا يَعترض أحدٌ عليَّ بأن فلانًا منهم لا يقول بهذا القول مثلا.
ومثال ذلك الصلاة: فقد يُصليها بعضُهم مثل صلاة المسلمين، فيصلي خمس صلوات في أوقاتها المعلومة، بكيفيتها التي عليها المسلمون.
-ولكن أكثرهم يصلي صلاتين فقط، وبطريقة تخالف ما عليه المسلمون.
-فكلُّ واحد منهم – في الحقيقة – له دينٌ خاص به، ففرقوا دينهم وفارقوه، وكانوا شيعًا. وكما قال الله تعالى فيهم وفي أمثالهم: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾.
وبعد هذه المقدمة نأتي إلى أقوالهم في أركان الإسلام الخمسة
وأولها الشهادتان والصلوات الخمس
-فمن المعلوم في الإسلام بالضرورة أن غيرَ المسلم إذا أراد أن يدخل في الإسلام يجبُ عليه أن يَنطق بالشهادتين مع العلم بمعناهما إجمالا، وأن يعتقدهما خالصًا من قلبه مع النطق بهما بلسانه.
-فإن كان الذي سيدخل الإسلامَ نصرانيًّا فيجب عليه أن ينطق بالشهادتين مع شهادته أيضًا بأن عيسى عبد الله ورسوله.
-هذا ما عُلِمَ من دين الإسلام بالضرورة، لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾. أي تابوا عن الشرك.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه
-وفسَّر النبي صلى الله عليه وسلم شهادةَ ألا إله إلا الله بأن المسلم يعبد الله وحده ولا يُشرك به شيئا.
-وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عندما سأله عن الإسلام، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». متفق عليه.
-وهذا الذي اتفق عليه المسلمون جميعًا، كما هو معلوم منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
-لكن عند هذه الطائفة المرتدة لا يلزم غيرَ المسلم أن ينطق بشهادة التوحيد ولا الإيمان بأن محمدًا رسولُ الله، ويكفي غيرَ المسلم عندهم بأن يؤمن بوجودِ الله، واليوم الآخر، وبذلك يكون من المؤمنين.
-واستدلوا على ذلك بآيةٍ من القرآن مع الفهم الخاطئ لها قطعًا، تاركين عشراتِ الآيات ومئاتِ الأحاديث التي تُبَيِّن بطلان قولهم.
-وسنشرح كلَّ ذلك فيما بعدُ إن شاء الله تعالى، لكن الآن أنا أسرد لكم أقوالهم فقط.
-ولعلك تعجب من قولهم هذا، لكن إذا عرفتَ السبب الحقيقي وراء ذلك فسيزول عجبُك، وهو أنهم يريدون أن يُضفوا على اليهود والنصارى وغيرِهم وَصْفَ المؤمنين، من باب التزلُّف والقُربى لهم.
-وبالتالي فإن غيرَ المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم لا يلزمهم الدخولُ في الإسلام ولا النطقُ بالشهادتين، وبالتالي لا يلزمهم وجوبُ الصلاة، ولا الصيام في شهر رمضان، ولا الزكاةُ، ولا الحجّ كذلك، ولا أيُّ شريعة من شرائع الإسلام.
-وأنَّ كل من آمن بوجود الله واليوم الآخر فهو من أهل الجنة وإنْ كفر بالإسلام وبرسوله وكتابه وشريعته.
-والله عز وجل يقول: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾. الفتح: 13
-ويقول تعالى موجِّهًا الخطابَ لليهود والنصارى مُطالِبًا لهم بالإيمان بالقرآن، فيقول: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾. البقرة: 41
-ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾. النساء: 47.
-ويكفي في بطلان قولهم قولُه تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾. سورة التوبة: 11
-وقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. سورة التوبة: 29.
وسنتكلم عن ذلك بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الركن الثاني: الصلاة
- فالصلاة في دينهم نوعان: صلاةٌ روحية، وصلاةٌ حركية.
- أما الصلاة الروحية فهي الإيمان بالله، وهي الصلة بين الإنسان وربه.
-والصلاةُ الروحية هي التي سيُحاسب عليها البشرُ يوم القيامة.
-وأما الصلاة الحركية، فهي هذه الصلاةُ التي يصليها المسلمون، وهي عندهم في ملتِهم فيها قيامٌ فقط، وليس فيها ركوع ولا سجود.
-وعند بعضهم: فيها قيامٌ وسجودٌ، وليس فيها ركوع. - ثم يتفق معظمُهم على إنكار وجوب الصلوات الخمس، وادعاء أن الصلاة المفروضة صلاتان فقط، وهما صلاة الصبح وصلاة العشاء.
- أما الصلاة الروحية فهي الإيمان بالله، وهي الصلة بين الإنسان وربه.
-وكذلك فإن هاتين الصلاتين لا تُؤَدَّيانِ كما يؤديهما المسلمون، لأن هذه الكيفية لم تَرِدْ في القرآن.
- وعند بعضهم: أن من قلَّدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذه الصلاة، فهو مشرك؛ لأنه لم يأخذ كيفية الصلاة من الله في القرآن، بل أخذَها من غير الله، ومن ثم فقد أشرك مع الله تعالى.
وكيف يؤدون صلاة الصبح وصلاة العشاء؟
-هذه الصلاة تؤدَّى عند بعضهم بالقيام فقط، وليس فيها ركوعٌ ولا سجود.
وعند بعضهم: فيها قيامٌ وسجدةٌ واحدة فقط، وليس فيها ركوع.
-وكذلك ليس في صلاتهم تكبيرةُ إحرام، ولا تكبيراتُ انتقال، ولا يجب فيها قراءةُ الفاتحة ولا غيرِها، لكن إن قرأ فلا جناحَ عليه، ومن أحبَّ أن يزيد في السجود فليسجد، ولا غبار عليه.
-وليس في صلاتهم خروجٌ من الصلاة بالسلام.
- والتشهدُ في الصلاة عندهم ليست هي المعروفة بين المسلمين، بل قراءة آية ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
- ثم هم جميعًا ينكرون باقي الصلوات التي ثبتت بالسنة، ولم يَنُصَّ عليها القرآن.
-فتراهم ينفون جميعَ الصلوات النوافل، كالسنن الراتبة وغير الراتبة، سواء التي قبل الصلوات المفروضة أو بعدها، وينفون صلاة العيدين، وصلاة الضحى، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، وصلاة الاستخارة، وسجود السهو، وسجود الشكر، وسجود التلاوة، ولا يوجد في دينهم صلاة الجنازة على من مات منهم.
-وفي الأخير: هذه الصلاة الحركية – التي هي الصلوات الخمس، أو الصلاتان – لا إثمَ على مَن تركها، ولا عقاب عليه في الآخرة.
-وأما الآياتُ المذكورُ فيها عقابُ تارك الصلاة، فمقصودٌ بها الكفارُ الذين لم يُصَلُّوا الصلاةَ الروحية، وليست في المسلم التارك للصلاة الحركية.
ومن أحكام الصلاة عندهم
- أن الوضوء واجبٌ عند كلّ صلاة، حتى وإن لم يكن محدِثًا بالحدث الأصغر والأكبر.
-والوضوءُ عندهم لا تُغْسَل فيه الرجلان، بل يُمْسَحان فقط، وإن كانتا خاليتين من الجوارب والخفاف.
-ولا يجوز المسحُ عندهم على الخفين إذا لبسهم المسلم على طهارة. - وإذا خرج من أحدهم ريحٌ في الصلاة، فعليه أن يكملها ولا يخرج منها؛ لأن القرآن لم ينصَّ على أن خروج الريح في الصلاة يبطلها؛ وعندهم أن خروج الريح من الدبر هو مثل النَّفَسِ الذي يتنفسه الإنسان وهو في الصلاة، فكلاهما لا ينقض الوضوء.
-والحائضُ والنفساءُ لا يُمْنعان من الصلاة، بل تجب عليهما أيضًا.
-ولا جُناحَ على المرأة أن تُصلي وشعرُها مكشوف، فشعرُها ليس من العورة أصلا، بل الحجابُ ليس من الدين؛ فيجوز لها أن تصلي بدون غطاء للشعر.
-وفي الأخير: يجوز للمرأة – في دينهم – أن تكون إمامًا للرجال في الصلاة، ويجوز لها أيضًا أن تقوم بخطبة الجمعة؛ لأن القرآن لم يشترط الذكورةَ في الإمامة ولا في الخطبة، هذا إذا كان عند بعضهم صلاة الجمعة.
-وأخيرًا: من المضحك المُبْكي: أن التيمم عند بعضهم بالماء وليس بالتراب، كما قاله محمد هداية، في لقاء له بعنوان: (التيمم الصحيح ليس بالتراب). في أول دقيقة من الفيديو. ووصف القولَ بالتيمم بالتراب بأنها مؤامرةٌ على الأمة الإسلامية، وأن القائلين بذلك يجب أن يُحَاكموا.
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة.