كل عام وأنتم بخير.. ساعات قلائل ويهل علينا عيد الأضحى المبارك بنفحاته الإيمانية، وعطاياه الإنسانية والاجتماعية الرفيعة، وما يحمل من قربات لله تعمق الصلات بين الناس، وتساعد على إنهاء ما بينهم من مشكلات وخلافات.
والسؤال المهم هنا هو: كيف نستفيد روحيا وإنسانيا واجتماعيا من أجواء عيد الأضحى المبارك، ولا يكون دورنا فقط مجرد متابعة حجاج بيت الله الحرام عبر الفضائيات وهم يؤدون منا سكهم؟ وكيف نعيش جميعا فى أجواء ربانية، ونتقرب الى خالقنا بكل صنوف الخير؟
أجواء هذه الأيام المباركة بدأت من أول ذى الحجة حيث حثنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على الاحتفاء بالعشر الأول من هذا الشهر المجيد، لما لها من فضل كبير، فقد أقسم الله سبحانه وتعالي بها في قوله سبحانه:”والفجر وليالي العشر” وقد قال العلماء إن هذه الليالي هي الليالي العشر من ذي الحجة و”الفجر” هو فجر يوم النحر.. وأكد رسول الله صلي الله عليه وسلم فضل العشر الأول من ذي الحجة فقال:” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله من هذه الأيام” يعني أيام العشر.. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:”ولا الجهاد في سبيل الله. الإ رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشئ”.
وأفضل صور عطاء هذه الأيام الطيبة يتجلى يوم عرفة، وهو يوم عظيم من أيام الله المباركة، وعطاؤه لا يقتصر على ضيوف الرحمن حيث يمثل الركن الأعظم لمناسك الحج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحج عرفة” وهو قول كريم يجسد مكانة هذا اليوم العظيم.. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم
2 / 3
يوم عرفة فقال: ” يكفر السنة الماضية والباقية” وفى رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام: “يعدل صيام سنة” وقيل”يعدل صيام سنتين” وهذه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على فضل صيام هذا اليوم لغير الحاج، حيث لا يلزم الواقف بعرفة صيام هذا اليوم، بل يسن عدم صيامة حتى يقوى الحاج على أداء ما عليه من التزامات دينية أخرى تحتاج الى مشقة وجهاد بدنى ونفسى.
بعد ساعات قلائل من صوم يوم عرفة وجنى ثماره الطيبة نخرج جميعا الى الساحات والمساجد الكبرى مع أسرنا وأقاربنا وأصدقائنا لأداء صلاة العيد فى جو تسوده روح المودة والألفة والمحبة، ويحاول كل منا أن يتواصل مع أهله وجيرانه وأصدقائه عقب أداء الصلاة، وهذا عطاء إنسانى يذيب ما تحمل نفوس الأهل والجيران وعامة الناس من خلافات ومشاحنات.
وبعد أداء صلاة العيد يبدأ القادرون فى عطاء إنسانى آخر وهو الأضحية وهى سنة مؤكدة، ويكره تركها بالنسبة للقادر عليها، والقادر على الأضحية كل من يملك ثمنها فوق حاجاته الضرورية، فكل من يستطيع شراء أضحية دون حرج أو استدانة مطلوب منه أن يضحي على الأقل بكبش اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ضحى بكبشين أملحين أقرنين.. أي خروفين يخالط بياضهما سواد ولهما قرون.
والأضحية شرعت شكرا لله تعالى على نعمه، وللتوسعة على الفقراء والمحتاجين.. يقول الحق سبحانه في كتابه الكريم: “إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر”.
والسنة أن يقسم المضحي الأضحية ثلاثة أقسام، فيجعل ثلثا لنفسه وأهل بيته، وثلثا يهديه للأصدقاء والأقارب، وثلثا يوزعه على الفقراء والمساكين، وكلما زاد نصيب الفقراء منها كلما زاد الأجر والثواب.
وختام هذه الأيام الطيبة يكون بالاحتفال بالعيد، وهو يوم بهجة وسعادة له أهميته ومنزلته الخاصة فى حياة الإنسان.. فعيد الأضحى أحد عيدين في الإسلام ينبغى أن يعيشهما المسلم بوجدانه ومشاعره، والأعياد فرصة عظيمة للتلاقى وتبادل التهاني، وهذا اللقاء يجدد المحبة والتآلف، وسعادة التلاقى، وفرحه بالعيد يجب أن يظهر فيها شكر الله على نعمه علينا، وبمشاركاتنا الاجتماعية والإنسانية، وبالتكافل
3 / 3
بين أفراد المجتمع، وليس بمجرد اللهو والعبث أو ارتكاب المعصية أو الخروج عن الآداب.
وكل إنسان حريص على دينه وقيمة الأخلاقية مطالب في العيد بأن يظل متمسكا بالضوابط والآداب والأخلاقيات الراقية، فلا ينحدر الى سلوك مسف، أو تصرف يخرج به على تعاليم وآداب دينه.. ومن واجب المسلم أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية حتى يدعم الروابط الأسرية والاجتماعية مع أهل بيته أولا ثم مع الأهل والأصدقاء والأقارب والزملاء، فيترك الخلافات والمنازعات ويبدأ مع الجميع صفحة جديدة مليئة بالفرحة والسرور بالعيد، لأن فى ذلك تجديد لحياته، ودافع إلى النشاط والعمل حتى لا تسير الحياة على وتيرة واحدة، فيحدث الملل، وتضعف الهمم.
b_halawany@hotmail.com