هكذا نؤسس دولة عصرية
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
يقول شوقي:
بالعلمِ والمالِ يبني الناس مُلكَهمُ
لم يُبنَ مُلكُ على جهلٍ وإقلالِ
تذكرت هذا البيت الشعري الرائع لأمير الشعراء وأنا أتابع تشكيل الحكومة الجديدة، متمنيًا لها كل التوفيق والنجاح، متسائلا ومسترشدًا ببيت شوقي:
هل نملك في مصر العلم المطلوب؟ هل في حوزتنا المال الوفير كي نبني الملك المنشود؟.
في ظني أن العلم المطلوب الآن لبناء دولة عصرية حديثة يتشعب إلى عدة أفرع رئيسة أبرزها:
1- وجود مسؤولين يتمتعون بخبرات سياسية عميقة تسمح لهم بوضع سياسات تعمل على (إسعاد) الغالبية العظمى من الشعب. وأكرر الغالبية العظمى، وليس القلة القليلة،
وسعادة الناس لا يمكن أن تتحقق إلا إذا توفرت لهم حياة حرة كريمة، لا عوز فيها ولا إفقار. وفي ظني أن مصر طوال تاريخها الحديث تحظى بوجود هذه الفئات من السياسيين المتميزين.
2- هؤلاء المسؤولون (الموهوبون سياسيًا)، وأكرر (الموهوبون سياسيًا)، يمتلكون مهارات خاصة تجعلهم يعرفون كيف يمكن لهم استثمار موارد مصر على أكمل وجه، ومواردنا، والحمد لله، كثيرة ومتنوعة بشكل مدهش.
3- التركيز التام على تطوير التعليم بأسلوب يواكب ما يجري في العالم من طفرات رائعة في هذا المجال، فالتنشئة السليمة للأجيال الجديدة هي المفتاح الذهبي للدخول إلى العصر الحديث بكل ما يميزه من تطور صناعي واقتصادي وزراعي وطبي وتكنولوجي .
4- العمل على تخفيف الاحتقان العام الذي تبدو ملامحه قاتمة لمن يرصد الوضع بحياد، الأمر الذي يتحتم علينا أن نعمل بجدية على فتح أبواب حرية الرأي والتعبير دون خوف أو وجل، فالأمم المكبلة لا تبني ملكا ولا جاهًا.
5- تخصيص الميزانيات الضخمة للإنفاق على الفنون والآداب، لا في القاهرة وحدها، بل في ربوع مصر كافة، فالأدب الرفيع والفن الجميل هذان هما الرحماء بعقول الناس ووجدانهم.
6- إرسال المزيد من البعثات إلى الدول الكبرى التي تحقق المزيد من النجاحات الباهرة في جميع فروع المعرفة، حتى يستزيد طلابنا من علومهم وفنونهم، ويعودوا إلينا مدججين بأحدث ما وصل إليه العقل البشري من علم ومعرفة، كل في مجاله. فلا يمكن أن ننهض دون أن نستفيد من الذين سبقونا في رحلة التطور.
7- العمل على تعزيز فضيلة إتقان العمل بكل ما نملك من أسباب، وهذا لن يتأتى إلا إذا غرسنا في أنفس الأجيال الجديدة وعقولها هذه الفضيلة المنسية، ولعل تخصيص الجوائز السخية لكل من يتقن عمله إتقانا شديدًا يسهم في تحقيق ما نريد.
لا يغيب عن فطنة القارئ أن (الكبار) في العالم الآن يخططون للمستقبل البعيد، وليس القريب فحسب، بل يعملون على تحقيق خططهم بأكبر قدر من النجاح، كما فعلوا في القرون الفائتة،
الأمر الذي يجب أن يدفعنا إلى ضرورة الانتباه جيدًا لكل ما يحدث، فمصر ليست دولة هينة بلا وزن، بل هي مطمع بالغ الأهمية يسيل له لعاب هؤلاء (الكبار) وأتباعهم.
أجل… صدق شوقي حين قال:
(بالعلم والمال يبني الناس ملكهم).