طبقًا للمادة (14) من دستور 2014 تعد الوظيفة العامة حقًا للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة. والوظيفة العامة يجب أن تكون متاحة للجميع على قدم المساواة بين المؤهلين لها، وأن يكون التعيين في الوظيفية العامة رهنا بشروط وقواعد موضوعية تطبق على كل من يتقدم للحصول عليها، دون إعتبار لتمييز شخصي أو دينى او فكرى أو لنوع المتقدم للحصول على الوظيفة رجلاً كان أو إمرأة . ومن ثم فإن اشتراط الجنسية والسن واللياقة الصحية والصلاحية الأدبية فضلاً عن استيفاء مواصفات الوظيفة المراد شغلها واجتياز الامتحان المقرر لها لا يجافى مبدأ المساواة فى تقلد الوظائف العامة طالما جاء تطبيقه على المتقدمين دون تمييز ولمصلحة الوظيفة ذاتها. ولا يجافى مبدأ المساواة فى تقلد الوظائف تقرير أولوية لبعض الفئات بتقرير نسبة محددة من الوظائف طالما تمت وفقًا لأسس موضوعية واضحة.
الحق في المساواة القانونية أصل الحريات و أساس الحقوق:
يعد مبدأ المساواة- بحق- أصل الحريات و أساس الحقوق، فقد أضحى هذا المبدأ منذ فترة بعيدة من المبادىء العامة فى القانون التى أصبحت قانونًا للضمير الإنساني، حيث تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الذى وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة- وقبل ذلك نص عليه إعلان حقوق الإنسان الذى جاءت به الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م و قد حدد مضمونه وارتباطه بالحرية في نص المادة الأولى على أن الأفراد يولدون ويظلون أحرارًا و متساويين في الحقوق، وأن التمييز الاجتماعي لا يمكن أن يبنى إلا على أساس المنفعة المشتركة.
كما نص فى المادة السادسة على أن: القانون يجب أن يكون واحدًا بالنسبة للجميع سواء وهو يحمي، وسواء وهو يعاقب، وكل المواطنين- وهم سواء أمام ناظريه- متساوون فى التمتع بكل ميزة، وفي تولي الوظائف العامة طبقًا لكفاءتهم ودون تمييز سوى ما يتمتعون به من فضائل و مواهب.
كما سجله القانون الأمريكي للحقوق المدنية سنة 1866، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1966.
و تأتي أهمية مبدأ المساواة في اعتباره من المبادىء العامة للقانون التي تلتزم الدولة بتطبيقه حتى ولو لم يوجد نص في دستورها يقرر ذلك.و ترتكز هذه الأهمية وتتأسس على الديموقراطية والفلسفة السياسية باعتبار أن الحرية لاتوجد مالم تكن متاحة للجميع، فلا ديموقراطية بغير حرية.
وقد استخدم مبدأ المساواة كمقياس لتطبيق جميع الحقوق والحريات. ولهذا قيل بحق أن هذا المبدأ يعد حجر الزاوية للقضاء الدستورى بوصفه إحدى الدعائم الرئيسة لدولة القانون نظرًا لأن سيادة القانون لا تعلو مالم تطبق على قدم المساواة.
وبناء على ذلك، فإنه على الرغم من الإقرار الصريح للحق في المساواة في الدساتير إلا أنه يستخلص ضمنًا من مجموعة المبادىء التي تقوم عليها دولة القانون وعلى رأسها مبدأ سيادة القانون، ومبدأ الديموقراطية.ومن ثم فإن إهدار الحق فى المساواة بين المتماثلين لايعني غير إخلال بحقهم في حياة يؤمنها العدل ويسودها السلام الاجتماعي، فضلًا عن أنه يعد إنكارًا للحق في صون كرامتهم من صور العدوان عليها و هي أصل لحقوقهم جميعًا، فلا يؤاخذون بغير جريمة ارتكبوها، ولايغمطون حقًا ثابتًا لهم، ولاتقيد حريتهم الشخصية دون مقتضي، ولايعذبون أو تمتهن آدميتهم، ولايكرهون على فعل أو قول؛ ولايصبون فى أشكال جامدة لا يريمون عنها ولا يفصحون عما يريدون إخفاءه، ولا يقهرون بغيًا ولايحملون على ما يبغضون ولا يساقون إلى أعمال لايرضونها ولا يعاقبون عن أفعال كانوا غير منذرين بها. ولا تنحط إنسانيتهم من خلال عقوبة تناقض قسوتها موازين الإعتدال أو تكون بطبيعتها مجافية لآدميتهم بما يسىء إلى كرامتهم.
المقصود بالمساواة:
يقصد بالحق في المساواة ( وعلى وجه التحديد المساواة أمام القانون ): خضوع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقًا للهدف الذي توخاه القانون.
ومع ذلك يتحقق المبدأ بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة، أو بسبب يستند إلى المصلحة العامة إذا كان ذلك كله متفقًا مع الهدف الذى توخاه القانون.
وقد ظهرت عدة اصطلاحات للتعبير عن مبدأ المساواة، فذهب البعض إلى التمييز بين المساواة أمام القانون، و المساواة داخل القانون، والمساواة بواسطة القانون.
وقيل أن المساواة أمام القانون هي المعنى الذي استهدفته الثورة الفرنسية، و أريد به وضع حد لنظم عدم المساواة العميقة بين المواطنين. وقد قصد به أن القانون يجب تطبيقه بالطريقة نفسها على الجميع مهما كانت مستوياتهم، باعتبار أن القانون بقواعده العامة المجردة ينطبق على الجميع بغير استثناء.
أما المساواة داخل القانون: فيقصد بها أن القانون يجب أن يكون عادلًا أي يقرر معاملة واحدة للمراكز القانونية الواحدة، بينما يقرر معاملة مختلفة للمراكز المختلفة، وقد عبر بعضهم عن ذلك بأن فكرة المساواة تتحقق بالاختلاف، مما مقتضاه تحقق المساواة حين وضع المشرع قواعد متمييزة لكل مجموعة من المواطنين يندرجون تحت مراكز قانونية مختلفة. ويقصد بالمساواة بواسطة القانون: إمكان تقرير معاملة واحدة لمراكز واحدة أو العكس بالعكس إذا اقتضى ذلك سبب منطقى.
و الواقع من الأمر أن هذه المعاني الثلاثة متساوية متكاملة تعطي مضمونًا متكاملًا للمساواة يتمثل في ثلاث ركائز لهذه المعان على التوالي، وهي مساواة الجميع في المعاملة القانونية دون أن تكون مساواة حسابية مع إمكان التمييز في المعاملة وفقًا لأسباب موضوعية منطقية وكل هذه الركائز جميعًا تسهم في تحديد مضمون المساواة القانونية أي المساواة أمام القانون، فهي مساواة لا تتحقق إلا بداخل القانون وبواسطته.
المساواة المقررة للأفراد بمعناها هي المساواة القانونية، وليست المساواة الحسابية، بمعنى أن من حق كل مواطن أن يحصل على ذات المعاملة إذا استوفى الشروط المقررة، وبالتالي فإن المساواة في المعاملة مشروطة بالمساواة في توافر الشروط ومن ثم فإن من حق المشرع أن يقيد التمتع بحق معين بتوافر حد أدنى من الشروط الجسدية كالطول أو العرض أو حدة الإبصار.
فلا نستطيع أن نملي على المشرع وهو بصدد التشريع أن يسوي بين الناس جميعًا مهما اختلفت العناصر القانونية والواقعية المحيطة بهم، فلا يمكن مثلًا أن نطلب منه أن يسوى في الالتحاق بالجامعة بين الحاصلين على الثانوية العامة والذين لم يحصلوا عليها، ولا أن يسوي في الالتحاق بالوظائف العامة بين هذا الذي أدين في جريمة مخلة بالشرف وهذا الذي لم يرتكب مثل هذه الجريمة، فمبدأ المساواة لا يؤدي بنا أن نكفل لكل الناس تطابقًا في المعاملة، بل إنه يعني أن يتعامل بالطريقة نفسها الأشخاص الذين يوجدون في المركز نفسه.
و قد أكد المجلس الدستوري الفرنسي على هذه المعاني حيث انتهى إلى عدم دستورية نص تشريعي يجعل لرئيس المحكمة الابتدائية أن يحدد الجنح التي تختص بها المحكمة في كل حالة على حدة وما إذا كانت محاكمة المتهم سوف تتم أمام قاض فرد أو دائرة مكونة من ثلاثة قضاة.
لقد وجد المجلس أن في هذا النص إخلالًا بمبدأ المساواة أمام العدالة ومبدأ العدالة أمام القانون. فقد يحاكم متهم ما أمام قاض فرد و يحاكم آخر ربما فى التهمة نفسها أمام دائرة مكونة من ثلاثة قضاة. ومبدأ المساواة كان يحتم محاكمة المتهمين بالجرائم نفسها أمام محكمة لها بالنسبة لهم جميعًا التشكيل نفسه. فالمتهمون بارتكاب جنحة معينة يعدون جميعًا في المراكز القانونية نفسها، ومع ذلك فإن النص التشريعي السابق أجاز لرئيس المحكمة أن يغاير بينهم في سلطة تقديرية كاملة في تشكيل الهيئة المختصة بمحاكم كل واحد منهم.
المساواة أمام الوظيفة العامة:
-كيفية قياس المساواة:
من النقاط الدقيقة في التعرض للحق في المساواة مسألة كيفية قياس المساواة. إذ أن الإنسان يمكن أن يتكلم برصانة عن المساواة في وضع تنعدم فيه المساواة تمامًا. ولنفرض مثلًا أن هناك قانونًا يجعل دخول بعض الوظائف العامة المتميزة مقصورًا على أبناء فئة معينة من الناس، فمثل هذا القانون نقول فيه لأول وهلة وبلا تفكير عميق أنه ينطوي على إخلال بمبدأ المساواة، لكنه أيضًا يمكن القول بأن كل من ينسبون إلى أبناء هذه الفئة المتميزة متساوون في الالتحاق بهذه الوظيفة و أن النص التشريعي الذي كفل لهم هذه الميزة قد توافرت له صفة العمومية و التجريد فهو إذ ساوى بينهم في هذه الميزة فقد أحترم مبدأ المساواة، و هذه نتيجة خاطئة بلا شك، و قد ولد الخطأ فيها من النقطة الأولى التي بدأ فيها القياس.
فالقياس يجب أن يكون على المجموع الكبير، وليس على الفئة التي تمثل في ذاتها خروجًا على مبدأ المساواة. فإذا جعلت امتيازًا خاصًا لأبناء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات عند التحاقهم بالجامعة، فإننا عند قياسنا للمساواة يجب أن نقيس هؤلاء بالنسبة لأبناء الدولة جميعًا لجميع الحاصلين على الثانوية العامة، فنجد أن النص التشريعي قد أخل بالنسبة لهم بمبدأ المساواة، فلا يصح على الإطلاق أن نقيس أبناء أعضاء هيئة التدريس في جامعة أخرى لنقول بعد ذلك أن النص قد ساوى بينهم، و أن القاعدة التي قررت هذا الامتياز قاعدة عامة مجردة.
و الخلاصة أن القياس يجب أن يكون على المجموع الكبير ( مجموع أبناء البلد ) فهو يضع الأمور في نصابها الصحيح فيكشف عن الإخلال بمبدأ المساواة إن وجد. أما القياس على المجموع الصغير الذي تقرره المصلحة إهدار مبدأ المساواة فإنه قياس مضل يقودنا إلى نتيجة دستورية ومنطقية بعيدة عن الصواب.
للمشرع مخالفة مبدأ المساواة:
يكون للمشرع في بعض الحالات أن يخالف مبدأ المساواة فيغاير في المعاملة بين المراكز القانونية المتساوية، وذلك إذا استند التمييز إلى معايير موضوعية تبرره أو كان التمييز لتحقيق مصلحة مشروعة يبتغي المشرع تحقيقها، كما أن له أن يخرج على مبدأ المساواة إذا وجدت مصلحة عامة تبرر الخروج على هذا المبدأ.
و لنتخيل مثلًا خدمة معينة تقدم للطلبة جميعًا مقابل رسم يؤدى، فإن للمشرع أن يستثنى من هذه الرسوم نوابغ الطلبة، ويجعل لهم الحق أن يتمتعوا بهذه الخدمة بلا مقابل.
فعدم المساواة – هنا – و استثناء النوابغ من دفع الرسوم هو استثناء مقبول لأن هناك مصلحة عامة تبرره، و هي تشجيع الطلبة على التفوق.
و إذا كان الحق في التصويت هو حق عام يجب أن يتمتع به كل من بلغ سنًا معينة، فإن للمشرع أن يخرج على مبدأ المساواة، و يحرم من هذا الحق طوائف من المواطنين كالمحكوم عليه في خيانة أمانة أو رشوة أو هتك عرض أو انتهاك حرمة الآداب أو المحكوم عليه في جناية، أو جنحة سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب.
فهؤلاء على خلاف سائر المواطنين يحرمون من حق التصويت، وليس في ذلك إخلال بمبدأ المساواة لأن إفراد هؤلاء بمعاملة خاصة تتم لدواعي المصلحة العامة.
وفي مجال الضرائب مثلًا فإن القاعدة أن المواطنين جميعًا أمام القانون سواء و مع ذلك فإن المشرع يستطيع الخروج على مبدأ المساواة، فيجعل الضريبة على الأرباح التجارية و الصناعية أثقل عبئًا من الضريبة على المرتبات، وليس للأولين أن يدفعوا بوجود إخلال بمبدأ المساواة، فإن الوضع قد تم لدواعي المصلحة العامة.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا