يمارس البرلمان دوره الرقابي تجاه الحكومة وما تمارسه من مهامٍ وما تقوم به من أداءاتٍ في ضوء اختصاصاتٍ شرعها الدستور والقانون؛ لكن يسبق ذلك دراسة برنامج الحكومة الجديدة بتمعنٍ وتمهلٍ، ومن ثم تمنح الثقة التي تستهدف تهيئة المناخ الداعم للعمل؛ لتتعاظم الجهود من قبل كافة الوزارات، ويرتقي الأداء الذي يعاود البرلمان تقويمه في إطار المحاسبية التي تعد اختصاص أصيل لمجلس النواب.
وتعي كافة الوزرات بالدولة تعليمات القيادة السياسية التي أكدت في مضمونها ومحتواها على ضمانة تعضيد أبعاد الأمن القومي المصري، وخاصةً البعد الاجتماعي الذي يهتم ببناء المواطن ويكفل له حياةً كريمةً، وكذلك الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني لتستكمل مراحل النهضة والإعمار، مع تعظيم مواردنا البشرية من خلال تنمية الفكر الصحيح وإفساح المجال للعقول المبتكرة في مجالاتها المتنوعة؛ ليصبح المجتمع المصري منتجًا في كليته.
والثقة التي منحها البرلمان للحكومة الجديدة أكدت على ضرورة مضاعفة الجهود التي تؤدي إلى رفع الكفاءات البشرية لدى كافة الوزارات دون استثناءٍ؛ فجميع الوزارات يتحتم عليها أن تفرز إنتاجيةً متميزةً فيما يؤدى من مهامٍ وأعمالٍ مرتبطةٍ بمجالاتها؛ وهذا يتطلب تبني الابتكار عبر بنى فكريةٍ رصينةٍ تسهم في التطوير وتقدم أفضل ما لديها في ثيابٍ تتناغم مع معايير الجودة العالمية.
ويبدو أن الرقابة والمحاسبية لا يقوم بها البرلمان فقط؛ حيث أضحى الشعب شريكًا أصيلًا في تقويم ما يقدم له من خدماتٍ قد تنال رضاه ولا يمتعض منها؛ فيصدر رأيًا عامًا تستجيب له القيادة السياسية الرشيدة على الفور؛ فنبض الشعب دلالته صادقةٌ وصداه يصل لكل مسئولٍ بالدولة المصرية عبر العديد من قنوات التواصل الرسمية وغير الرسمية.
ومواصلة كسب الثقة يتأتى من عملٍ جادٍ ومتواصلٍ وفق رؤى ومخططاتٍ طموحةٍ تتبناها الحكومة كي تحدث نقلاتٍ نوعيةً في المجالات التنموية ويأتي في مقدمتها المجال الاقتصادي؛ إذ يحتاج لسياسة استثمار الطاقات، وبذل مزيدٍ من الجهود في قطاعات ومؤسسات الدولة المختلفة؛ تتعاظم الإنتاجية ويزداد العطاء، وتتنامى المسئوليات من قبل المواطن قبل أن يقع على عاتقه المساءلة، وذاك هو الفقه والوعي المجتمعي في صورته المثالية التي تنهض بمقدرات الوطن وتعلو من شأنه وترسخ من قيم الولاء والانتماء.
والثقة مقابل الرقابة والمحاسبية تبدو مرهونةً برضا المواطن وما يقدم له من خدماتٍ ورعايةٍ في شتى المجالات الحياتية والعلمية والتعليمية والصحية؛ فدور مؤسسات الدولة صارت تعكف على خدمته وتحقيق متطلباته واحتياجاته المتغيرة والمتجددة، الأساسية منها وغير الأساسية، وفي ضوء ذلك يعد الموطن ميزان العدل الذي يمد البرلمان المصري بمعايير المحاسبية عبر التنوع الرقابي المؤسسي والمجتمعي على حدٍ سواءٍ.
وفلسفة الرقابة والمحاسبية تؤكد على أنه لا مجال للصلاحيات المفتوحة؛ فعامل المحاسبية يقوم على ما يناط بالمؤسسة ومنتسبيها من مهامٍ تؤدى وفق توصيفٍ تقره نظم العمل وآلياته ونظمه، ومن ثم تكمن أهمية المساءلة والمحاسبية في أنها تضمن أمرين مهمين هما تجنب السلبيات والتعود على الإخفاقات، وتعزيز الإيجابيات، بما يعمل على رفع كفاءة العمل بكافة مؤسسات الدولة، ويدحر أشكال وأنماط ومظاهر الفساد المحتملة بها، ويضاعف من الجهود المبذولة بية تحقيق الأهداف المعلنة.
ونهيب بالحكومة الجديدة ضرورة أن تأخذ على عاتقها أهمية المتابعة الميدانية، التي تساعد في الكشف عن أوجه القصور، ومن ثم تعمل على معالجتها، والحد من صور الفساد الظاهرة منها والباطنة؛ فقد أضحت المتابعة المكتبية لا تحقق الغاية المنشودة، ولا تعمل على سد الغور في العديد من الجوانب التي تخص وزارات الدولة، ومن ثم تعمل المتابعة الميدانية على إدارة مرافق الدولة بالصورة الصحيحة ما لم تكن المثلى؛ فلا تعطيل يحدث، ولا هدر محتمل في مواردها، ولا فساد إداري يتخلل إجراءات تشغيلها، مما يسهم في تنميتها لتحقق ماهية الرضا لدى الشعب الكريم جراء استخدامها.
وبلسانٍ مبينٍ نقول لكل مسئولٍ في الدولة أن الرقابة والمحاسبية باتت مهمة البرلمان والشعب والرئيس؛ لذا لا مجال للأداء المترهل أو المتراخي، وليس هناك مناصٌ عن عملٍ متواصلٍ ومقدرةٍ على وضع وتنفي آليات مبتكرة تجذب الانتباه وتلفت الأنظار لصورة نتاجٍ مؤسسيٍ يعود أثره المباشر على الدولة والشعب في آنٍ واحدٍ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر