من يمتهن التدريس في الحرم الجامعي يدرك حجم المهام التي تقع على كاهله، وصورة المسئوليات المتعددة والمستدامة ما دام قادرًا على العطاء؛ فلا مجال للراحة عبر أدوار للأستاذ الجامعي مرتبطة بالتدريس ومنهجية البحث العلمي وخدمة المجتمع من حوله في ضوء ما يستطيع أن يقدمه من صيب نافع، وهذا يجعل إعداده ذا طبيعة خاصة؛ حيث تصقل لديه الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية؛ فتتكامل قدراته وتسمو وجدانياته فيستطيع أن يقدم الرؤى البناءة ويضع الاستراتيجيات الطموحة؛ فيحدث تغيرًا ملموسًا في مجالاته، ويخلق جيل من المبتكرين المالكين لمهارات متفردة يتطلبها ويبحث عنها القرن الحادي والعشرين.
ومن بين العديد من أساتذة الجامعات يتم اختيار القيادات التي تتولي إدارة شئون المؤسسات، والتي من المفترض أن تمتلك رؤية استشرافية تنقل المؤسسات من حالتها التي عليها إلى مسار التقدم والريادة بمجالاتها وتخصصاتها المختلفة؛ حيث تحسن استغلال مواردها المادية والبشرية، وتصبح لديها وحدات ذات طابع خاص، تقدم الخدمة مجنانًا لغير القادرين والمدفوعة للقادرين، وتتمكن من أن تقدم برامج تعليمية تسهم في تحسين مخرجات أسواق العمل بتنوعاته المختلفة، وتستطيع أن تسهم في إنجازات وإضافات البحث العلمي ليرتقي بجودة الحياة عبر مخترعات ومشروعات ونتاج متميز يساعد في حل المشكلات، وبه نواجه النوازل والأزمات الطبيعية منها وغير الطبيعية.
وتبدو ملامح نجاحات القيادة الجامعية في شخصية متسامية تعمل بحرص على استثمار الطاقات البشرية بالمؤسسة كي تخرج أفضل ما لديها من منتج يهيئ مناخ العملية التعليمية ويجعله محفزًا للأستاذ والطالب، ومن يقوم على تقديم الخدمات لهم بصورها المختلفة، وهذا بالطبع يصب في مصلحة الوطن؛ إذ يضيف لبنة تقدم ورقي فكري ومادي يؤثر إيجابًا في مستقبل الجمهورية الجديدة الذي نراه مشرقًا بفضل الله وكرمه وجوده وعطائه الذي لا ينتهي.
ومن مؤشرات النجاح التي تنسب للقيادة الجامعية في الجمهورية الجديدة قدرتها من خلال فعاليات ممنهجة على تنمية الأمن الفكري لدى منتسبي المؤسسة؛ حيث إنه ركيزة الأمن الذي اعتدنا العيش في خضمه، وأساس للأمن النفسي؛ فعندما يؤمن الفرد بثوابت القيم المجتمعية ومبادئه وأصوله يتأكد الاطمئنان وتتأصل الجذور، ومن ثم يبتعد الفرد عن كل ما هو دخيل من فكر هدام، ويمكث لديه الفكر السليم والمعتقدات والقيم والتقاليد المجتمعية، ويمثل ذلك بعدًا استراتيجيًا لأمن الوطن واستقراره؛ فمن المعلوم لدينا أن هناك سيل من الأفكار السلبية المتطرفة الذي تستهدف استقرار الحياة ببلادنا الحبيبة في جميع مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعقدية، وهذا ما تم التنويه إليه في العديد من خطابات القيادة السياسية المستنيرة.
يصعب علينا في هذا المقام الضيق أن نتناول شتى نجاحات القيادة الجامعية التي تسهم في التنمية والبناء كما أوردنا؛ لكن من الأهمية بمكان أن نشير إلى دورها البارز والمهم في تشكيل الوعي الصحيح لدى أبنائنا الطلاب؛ فهو السياج الذي به تستمد الجمهورية الجديدة مسيرتها ونهضتها؛ لتلبى مطالب مشروعة من شعب أبيّ كريم يستل قدرته وعزيمته وإرادته من قيمه النبيلة ومعتقده الوسطي المعتدل.
وفي المقابل عندما يوكل الأمر لمن لا يتمتع بالقيادة المحنكة والمقدرة على استيعاب الجميع، ومن ثم يعمل وفق سياسة الإشغال غير المجدي، وبنتاج الثمرة المعطوبة والمشوهة؛ فإن رحى المشكلات تتنامى يومًا تلو الأخر؛ فتهدر الطاقات وتحبط الهمم ويسود المناخ المؤسسي سلبية تتعارض مع ما نصبوا إلى تحقيقه من غايات تمثل رؤية ورسالة المؤسسات الجامعية التي تعد قاطرة نهضة البلاد في شتى المجالات، وهذا بالطبع ينبغي التوقف عنه ومراجعة الواقع المؤسسي لمن يخول له الأمر؛ ليصنع ويتخذ قراره بصورة رشيدة تلبي ما نطمح إليه وذكرناه سلفًا.
دعونا ننظر بتريث إلى مخرجات التعليم بمؤسساتنا الجامعية، ونتساءل بهدوء عن مدى مناسبة ما يمتلكه الخريج من خبرات ومتطلبات سوق العمل، ومن ثم نجد أنفسنا في حيرة من الأمر؛ فهل بات القصور في برامج الإعداد أو في الدعائم اللوجستية التي يتوجب أن تتوافر في صورتها المكتملة، أو في نمط الإدارة الذي ارتضى الواقع وسايره، ولم يحاول وفق صلاحياته المعطاة أن يحدث التغيير الجوهري، ومع تعدد الأسباب والمسببات أرى أن القيادة الجامعية الطموحة المتفائلة صاحبة الرسالة السامية والرؤية الثاقبة بعيدة المدى من واجبها التغيير للأفضل والسعي بقوة لتحقيق الهدف المنشود مهما تعددت التحديات.
إننا في مرحلة فارقة في حياة هذا الوطن الذي جميعنا دون استثناء يحبه ويعشق ترابه ويخلص له ويصطف خلفه ويقدم كل غال فداه؛ لذا فإننا ننظر لهذا الأمر الجلل بعين البصرية ومن ثم يتوجب أن تكلف قيادات جامعية تستطيع بمقدرة وكفاءة أن تحقق ماهية وفلسفة البناء الذي يدفع بعجلة التنمية من خلال الإمداد بطاقات بشرية يافعة متميزة الخبرة ومؤهلة لأن تنخرط بقوة في سوق العمل الكبير على الصعيدين المحلي والدولي؛ فما أحوج قطاعات الإنتاج بجمهوريتنا الجديدة لمخلصين في شتى مجالاته.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر