بَادِئَ ذِي بِدْءٍ يتواتر في الأذهان تساؤل مشروع فحواه: كيف للمعلم في مُجّمع تعليمي تعارف عليه مسمى السنتر التعليمي أن يؤدى مهمة التدريس والتي تقتصر في أغلبها على أسلوب مميز في الشرح يجذب الطلاب ويجعلهم منغمسين معه في بحر الخبرة مناط التعلم في فترة زمنية ليست بالقليلة ويحقق جراء ذلك نتائج تعليمية مقبولة في كليتها؟، والإجابة مهما تباينت تدل على أن صاحب الرسالة السامية يمتلك المقدرة والكفاءة على توصيل خبرات التعلم لطلابه إذا ما هيأ له الأمر، ومن ثم نصل سويًا إلى ثابت لا مراء ولا جدال فيه، وهو أن المعلم يستطيع أن يقوم بوظيفته رغم تحدي الكثافة الطلابية في فصله.
وعليه يجب أن نتناول الحلول بشكل يتسم بالموضوعية والحرفية والإجرائية، وفي مقدمتها إعداد المعلم المتمكن من المحتوى الأكاديمي والمقدرة المهنية التي تتحدد في امتلاكه الأداء التدريسي الإبداعي؛ فيصبح جاهزًا لأن يتبع أساليب شيقة واستراتيجيات تدريسية فعالة ومهارة على توليف التقنية الرقمية المتاحة في غمار التدريس بمراحل والتي تتضمن التخطيط والتنفيذ والتقويم.
وينبغي أن يتدرب المعلم على توظيف أنماط التعزيز والتغذية الراجعة بصورة تسهم في جذب الطلاب للقيام بالمهام التعليمية التي يكلفون بها، ويجعلهم مقبلين راغبين نحو مزيد من التعلم، وهذا يضمن قيام المتعلمين بالتكليفات المنزلية التي تعطى لهم من قبل المعلم، وقد يلجأ المعلم أو يستعين بمساعد من الطلاب المتفوقين أو بزميل حال توافره بالمؤسسة التعليمية؛ ليضمن تغطية أعداد الطلاب ومتابعتهم فيما حققوه من إنجاز وتحديد نقاط الصعبة ليتسنى للمعلم العمل على تذليلها في الوقت المناسب.
إن ما ينفق على المجمعات التعليمية من أموال طائلة يصعب حصره ويقدر بالمليارات دون مبالغة، وإذا ما تم توجيهه بطريقة ما في تحسين أحوال المعلم المادية؛ فسوف تزداد الهمم وتبذل الجهود تجاه تحقيق الغاية المنشودة، وهذا يحتاج منا أن نواجه التحدي الأكبر والذي يتمثل في وعي الأسرة بأهمية المؤسسة التعليمية، ودورها في غرس منظومة القيم وتعديل السلوك في صورته القويمة، وتعضيد ماهية العمل الجماعي والشراكة في تحقيق الغاية، ومن ثم فالمؤسسة التعليمية ضرورة لا غني عنها في كل الأحوال.
ونوقن أن الدعم اللوجستي للمؤسسة التعليمية أضحى مهمًا للغاية يساعد في تحسين المناخ التعليمي ويحدث فارقًا حيال جذب المتعلمين ومواصلتهم تجاه قيامهم بمهام الأنشطة التي يكلفون بها، كما يستطيع المعلم أن يؤدي مهامه وسط الكثافات دون تأثير على الأهداف المخطط لها سلفًا، كما أن مقومات الأداء التدريسي تسمح للمعلم أن يستخدم ما تدرب عليه أثناء الخدمة على برامج تمكنه من توظيف التقنية وتصقل مقدرته تجاه الأداء التدريسي المتميز.
وندرك أن الحلول مسئولية كافة مؤسسات وأجهزة الدولة المعنية، وأن باب الشراكة مفتوح على مصراعيه لننهض بالتعليم في بلادنا الغالية؛ فقد طالعنا استراتيجية الدولة التي في قمة اهتمامها بناء الإنسان، ومن ثم يتوجب أن تسخر كافة المقومات لقضية الأمن القومي وهي التعليم بسلمه المتدرج؛ لنضمن إخراج أجيال ترفع الراية وتستعيد المجد وتخلق بمخبرات مكتسبة بصورة مقصودة فرص عمل في أسواق تبحث على التميز المهاري والتفرد الأدائي في المجالات المختلفة.
وفي ضوء ما ذكر لا ندعي أننا بصدد حل وحيد مثالي، بل هناك مسارات تمت الإشارة إليها تساعد في التغلب على تحدي كثافة الفصول الدراسية، ونؤكد مرارًا وتكرارًا أن هجر معاقل العلم المتمثلة في المؤسسات التعليمية بربوع الوطن يعد خطر داهم ينتج عنه آثارًا مدمرة على الطالب والمجتمع، فكما أشرنا أن الولاء والانتماء وحب الوطن وشتى القيم النبيلة تغرس داخل جدران المؤسسة التعليمية بصورة مقصودة وأن الاجتماعية الحميد يخلقها المناخ التعليمي في صورته الرسمية، كي تفرز لنا جيلًا متحملًا للمسئولية يستطيع أن يواجه التحديات ويحافظ على المقدرات رغم تفاقم الأزمات.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر