من سمات الإلحاد في صورته المعاصرة العدائية والكراهية في مكون ومكنون الخطاب الإلحادي المعاصر تجاه قضية الإيمان بالله؛ بالإضافة إلى توظيف ماهية التطرف والإرهاب في مجابهة ومعارضة ومحاربة الأديان والتشكيك فيها.
أصحاب الفكر الإلحادي المعاصر يحاولون استثمار الفضاء الرقمي وقدرته على بث الشائعات، مما يتيح نشر أفكارهم الخبيثة بين مجتمعاتنا صاحبة العقيدة الوسطية المعتدلة الراسخة.
سلبيات هجر القيم النبيلة والأخلاق الحميدة من قبل الفرد والمجتمع بدعوى حثيثة يتبناها منهج الإلحاد المعاصر.
المنهج الإلحادي يهدر كافة الحقوق بتنوعاتها المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
العمل على تنمية التفكير يقي الفرد من مخاطر منهج الفكر الإلحادي المعاصر وما يحمله من مخططات مقيتة.
لغة الحوار البناء التي تقوم على منهجية عملية رصينة تسهم في دحر كافة محاولات الفكر الإلحادي المعاصر.
تحت عنوان “الإلحاد المعاصر.. المرتكزات والآثار والمواجهة”، صدر مؤخرا كتاب جديد من تأليف الدكتور عصام محمد عبد القادر أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر.
الكتاب يعد اضافة نوعية متميزة للمكتبة العربية، وصدر عن دار التعليم الجامعي بالإسكندرية.
وعبر سطور الكتاب يقول المؤلف: نتعجب من الذين ينكرون وجود الله المتصرف الأحد الصمد الذي يدبر الأمر بعلمه ويدير الكون بقدرته ويسير الأمور بحكمته؛ فنراه جل شأنه في كل شيء؛ فما يدور على الأرض من مجريات أحداث وفي فلك السماء مما نعلمه ونجهله، يؤكد إرادته الغالبة لكل شيء؛ لكن أصحاب الفكر الإلحادي لا يقفون عند هذا الحد، بل يتطرقون لأمر خطير؛ حيث تبني فكرة شمولية الإلحاد ونشرها وتعضيد أركانها ومبادئها الباطلة لا محالة؛ فإقرارهم بأن الكون أو مادته الأولى أزلية، وأن التغيرات المشهودة تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، وهذا بالطبع يلغي ماهية الإيمان الذي يقوم على رجاحة العقل وتوازن الأمور وصحيح المعنى ودلالة الشاهد، كما أنه طمس للوجدان وما يتمخض عنه من مشاعر سامية يصبح بها بني البشر في راحة وارتياح نفسي واستقرار ذاتي.
ويشير المؤلف إلى أنه بالبحث في تلكما القضية الخطيرة وعن أسبابها، وجدناها متعددة ومعقدة؛ ففي القلب منها الأسرة التي أهملت بالكلية دورها في التربية الإيمانية؛ فلم تسع لتعضيد النسق القيمي والخلقي لدى الأبناء، ولم تكترث حيال المواظبة على المشاعر الدينية المفروضة منها والمستحبة، ولم تتطرق لحوار يتناول صحيح الدين والمعتقد، وللأسف شجع مناخها المظلم على الإقدام إلى المغريات والشهوات المرتبطة بنزوات لا تقرها العقائد السماوية منذ أن مهدت الأرض للحياة.
وأن هناك المجتمع الذي يحتضن الجميع؛ لكن أضحى مناخه مشجعًا على مظاهر الإغراء والنفعية، وغير مباليًا لقيم وخلق قويم يضبط السلوك العام ويحض على الخير وينبذ الرزيلة؛ فتعالت صحيات التحرر لتنادي بما يشبع رغباتها بالطرائق غير المشروعة والتي ترفضها الفطرة الصحيحة ولا تقبلها الطبيعة الإنسانية التي تربت على الفضيلة؛ فماجت الأفكار المشبوهة التي أتت بالإلحاد من باب مفتوح على مصراعيه، بل والطامة الكبرى في أصحاب هذا الفكر المشوه الذين يعملون بصورة ممنهجة على إيهام الآخرين بأن هناك تعارض بين التقدم العلمي والحياتي والحضاري في مجالات الحياة المختلفة وما جاءت به العقائد من تعليمات سماوية سمحة؛ ليقع في نفوسهم الشك والتشكيك ومن ثم يقعون في المحظور.
ويؤكد المؤلف أنه لوحظ في الملحد المعاصر صفات غير مسبوقة؛ إذ به يكابر ويتكبر؛ فلا مجال لأن يستمع لدعوات الحق، ولا يعطي لنفسه فرصة سانحة للتأمل فيما خلقه الله تعالى وما أبدع صنعه؛ حيث إن نظرته باتت تعتمد على السطحية، ولا تنحو للتأمل والتدبر في مجملها؛ فلا يرى في نفسه إلا الكمال وما دونه يعتريه النقص، وعلى أثر ذلك يتجنب الملحدون مطالعة صحيح العقائد والتيقن من ثوابتها ودلائلها المادية والمعنوية النقلية منها والعقلية التي جاءت بها الكتب السماوية، ومن ثم يصاب الملحدون بمرض الاضطراب النفسي والقلق الدائم من اللوازم التي تصاحب الفرد وتهوي به لبئر سحيق مليء بالظلمات.
ويتابع المؤلف بقوله : نحذر بأن الدعوة إلى الإلحاد وترسيخ فكرتها في أذهان الشعوب أضحت ممنهجة وموجاتها عنيفة؛ حيث استغلت انغماس المجتمعات في صراعات عرقية ودينية، وزيف الملحدون الوعي من خلال بث فكرة أن التدين يعد من مهددات بقاء البشرية، وينبغي التوقف عن ممارساته وشعائره التي تورث الكراهية والحقد بين المجتمعات بعضها البعض وفي داخلها أيضًا، بل لقد دشنت المؤلفات والكتابات التي من شأنها أن تهد الركن العقدي لدى الإنسان وتعضد الفكر الإلحادي بصورة تقوم على منطق العقل المتحرر، ووصل فُجْرُ دعاة الإلحاد المعاصر إلى الدعوة المعلنة تجاه التخلص من كل الأماكن المقدسة على وجه الأرض كي يتحرر الإنسان من العبودية والربوبية التي يدعيها أقطاب الأديان في مشارق الأرض ومغاربها.
ويرى المؤلف أن الملاحدة الجدد أسسوا نظريتهم على مرتكزات كان منها التطرف العلمي الذي باتت نزعته جليه؛ فالعلم له مستويات أدناها الكشف عن حقائق جراء تجريب قائم على متغيرات تحتمل الصواب والخطأ مع تكرار المحاولات لتثبت جدواها؛ لذا يعد تجاوز حدود التجربة العلمية التي تسفر عن نتائج ملموسة تخضع لعديد ومزيد من التجريب وفق قوانين محسوبة في فروع العلوم الطبيعية هي الأساس الذي تقوم عليه أفكار الملحدين المعاصرين، وفي المقابل لا مكان ولا مقر ولا تقبل لمشاعر وأحاسيس وروحانيات وعاطفة؛ فمنطق العقل يقوم على تطور مشهود ومرصود تحكمه قوانين ومتغيرات فقط، كما أن النسق الخلقي بالنسبة لهم نسبي في ضوء المنفعة التي تعود منها، وما عدا ذلك لا يؤخذ بعين الاعتبار، وعليه يعد منهج الملاحدة مشوب في جملته.
ويتابع المؤلف بقوله : وفي هذا الخضم نؤكد بأن الملحد يعاني من حالة الصراع المعرفي؛ لغياب الإجابة عما يجول في الوجدان، وما يرد في الخاطر، ومن ثم كان أول الآثار التي يخلقها الإلحاد المعاصر في النفس يتمثل في القلق والصراع النفسي الحاد؛ فما يواجهه الفرد مع نفسه وبين مجتمعه يؤكد لديه التشكيك في منهجية الإلحاد ومزاعمه الباطلة، وفي المقابل قد يجد المتعة والسعادة في ترك التكليفات التي تحد من تحرره وتجعله منضبطًا في سلوكه بشتى أنماطه، وبالطبع هذا يخص من يفتقد ماهية الإيمان الحقيقي الذي ينبري عن عقيدة وسطية لا يشوبها التحريف ولا ينال منها مغرض مهما بلغت أمانيه وامكانياته وعلا صيته وامتدت قوته وجبروته وسلطانه سواءً أكان ماديًا أم معنويًا.
وفي هذا المقام نحذر من انفكاك الفرد عن قيم العقيدة الوسطية التي تعضد الخلق النبيل لديه؛ فيصير مآله لدروب ومسالك الأنانية والنفعية وحب الذات والأثرة؛ فلا نتوقع أي سلوك يؤدي إلى البناء والأعمار في ظل هرولة تجاه الشهوات والنزوات والعمل على إشباعها بشتى الطرائق والتي تكون في جلها غير مشروعة، كما أن سائر التعاملات المادية لا يحكمها ضمير؛ فالمعيار الضامن لها يتمثل في النفعية المحضة دون غيرها؛ فلا مكان للنوايا الحسنة ولا منزع لغرس الخير وزرع النبت الطيب في الأرض وفي نفوس البشر.
وذكر المؤلف أن من بواطن ما يستهدفه المنهج الإلحادي توطن فكرة إفقار الشعوب وإضعافها وتفكيكها بغية التحكم في هويتها؛ فلاحظنا أن الاستعباد يتلوه تدميرًا لحضارة البشرية، وسلب الثروات من أولويات هذا الفكر، كما أن إثارة الفتن وتأجيج الصراعات تخدم الفكر الإلحادي بصورة مباشرة وقوية؛ حيث تنشغل المجتمعات بلقمة العيش تاركة وراءها ما تؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاق سامية، ومن ثم يصبح القلق والضغط والتوتر المناخ السائد في المجتمعات المحتلة والمستعبدة من قوى الشر.
ويتابع المؤلف بقوله : وكي نواجه شرور ومخاطر المنهج الإلحادي المعاصر يتوجب أن نمتلك المقدرة على تعضيد الوعي الصحيح وتنمية الفكر بصورة مخططة تقوم على برامج تعليمية وتثقيفية ودراما تتسم بالعرض الإبداعي الذي يستثير الوجدان ويحيطه بسياج يقيه شر مدخلات ومآرب الفكر الإلحادي المعاصر، ومن ثم نذكر بأنه يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يبذل من جهود ومحاولات باغية تستهدف شباب الأمة وستقطبهم أو تستميلهم نحو هذا الفكر المنحرف الذي نتيجته محتومة وهي الدمار والخراب وانهيار المجتمعات واندثار الحضارات؛ فلا تاريخ ولا ثقافة ولا جغرافيا يبقي عليها الملحدون الجدد؛ فهم سرطان هذا الزمان وكل زمان؛ فرغباتهم حيوانية وسعيهم إلى تلبية غرائزهم أباحت لهم كل الموبقات دون أدنى مراعاة لماهية الطبيعة الإنسانية صاحبة الفطرة النقية.
وندرك جليًا أن غاية الحوار البناء تكمن بشكل واضح في تصويب المعتقد غير الصحيح وتثبيت الفهم والوعي الصحيح، ومن ثم يساعد الحوار على دحر كافة محاولات الفكر الإلحادي المعاصر؛ حيث إن الفكر الإلحادي المعاصر يجعل صاحبه صدأً صلب التفكير، وساكنًا في قناعاته؛ فتبدو الأمور بالنسبة له في غير نصابها الصحيح، والجميع من حوله على المسار الخطأ، وأنه على الطريق القويم، ومن ثم يعمل الحوار على كشف الغموض، ويتولى إزاحة الستار عن الجوانب التي تعد راسخة في أذهان المؤمنين؛ فتقدم من خلاله البينة في صورتها المكتملة؛ لتزول الشبهة وتفند المغالطات التي يتشبث بها أصحاب الفكر الإلحادي المعاصر.
وأكد المؤلف على أنه ينبغي أن ندرك حجم المخاطر التي قد تنتج جراء شائعات المغرضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تبرير صور الفساد بكل السُبل داخل المؤسسات وفي المجتمع نفسه، مما يؤثر حتمًا على النمو الاقتصادي للدولة، ويضير بمقدراتها ويضعف نشاطها في المجالات والقطاعات المختلفة وبخاصةٍ المنتجة منها، ويؤدي بالضرورة إلى انهيارها بعد تكرار الفشل جراء الانهزامية التي تتعرض لها المجتمعات، وهنا توصف الشائعات الرقمية بمعول الإفساد والهدم، ومن ثم نقر بأن ضعف الروح المعنوية لدى الشباب نتيجة لانتشار الشائعات المحبطة يجعلهم فريسة للفكر الإلحادي المعاصر.
وتابع المؤلف بقوله: نؤكد على أنه لا غنى عن تعزيز النسق القيمي الذي يؤمن به المجتمع المصري وتقره الأديان السمحة من تحري الصدق والأمانة في القول والنقل عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث إن غياب النسق القيمي يؤدي لغياب الضمير والمحاسبية أو الرقابة الذاتية، ومن ثم تجد شياطين الأنس مُدخلًا واسعًا لضخ المزيد من الشائعات المغرضة التي يتلقفها أصحاب القلوب الضعيفة ومن ثم يجد الملاحدة الجدد مكانًا لدعوتهم الخبيثة في مجتمعاتنا المحافظة.
واختتم المؤلف بأن هذا الجهد المقل ما هو إلا مشاركة متواضعة في حب بلادنا الغالية وشعبها العظيم ومؤسساتها الوطنية المخلصة؛ حيث إننا نعشق ترابها ولاًء وانتماءً.. حفظ الله بلادتنا وقيادتنا السياسية وأبناءها المخلصين.