نحمد الله تعالى أن قد من علينا بمؤسسات وطنية وفي مقدمتها وزارة الأوقاف المصرية التي تقدم كل ما في وسعها لتؤدي الرسالة المنوطة بها، ومن ثم تحافظ على النسق القيمي لمجتمعنا الكريم من خلال العمل الممنهج الذي يستهدف ترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، وممارسات الفضيلة، ونشكر المولى عز وجل أن هيأ لنا مسببات الوعي الصحيح النابع من وسطية الفكر والمعتقد المعضد لفكرة الدولة والمنسجم مع مبادئها وغاياتها التي لا تنفك عن حماية مقدراتها المادية والبشرية على حد سواء.
وكيف لنا أن ننكر ما يعاني منه العالم من خلل وغياب للضمير في ظل ما نرصده ونشاهده ونتابعه من أحداث على الساحة الدولية وبالمنطقة تحديدًا، وما نخشاه من آثار سلبية جراء حروب الجيلين الرابع والخامس، واللتان تستهدفا تغييب جموع الشعوب عبر بث الأكاذيب والافتراءات ليل نهار دون كلل أو ممل، بل لا نغالي إذا ما قلنا بأساليب ومنهجيات أضحت مبتكرة، وهذا يحتم علينا أن نتمسك برباط نسقنا القيمي؛ لندحر المغالطات التي تصيب البنى المعرفية في مقتل؛ فتجعل الفرد مشوها في أفكاره ومعتقداته؛ ليقع تحت بؤرة التشتيت؛ فتضعف همته ويقل عطاؤه، وتلين عزيمته ويفتر جهده وتهدر طاقته، وقد يتحول من حيز البناء لبؤرة الهدم.
وفي هذا الخضم الوعر يأتي دور منابر الأوقاف لتعمل بكل جهد كي تغذي نسقنا القيمي بمزيد من الحب والولاء والانتماء؛ فتلك قيم مهمة تجعل لحياتنا معني ومغزى؛ فالأصل في الخليقة قائم على ماهية المحبة وتبادلها بين بني البشر أجمعين، ولا جدال بأن رقي الإنسان مرهون بهذا الأمر المفضل به عن سائر المخلوقات قاطبة، ويبرهن ذلك ملاقاة الإنسان لأخيه عند الحاجة وفي المواقف الصعبة والعصيبة وعند الاستنجاد وطلب العون؛ فلا يتردد لمد يد العون وإيصاله لبر الأمان والسلامة، وتلك متعة لا يقابلها نظير.
ونؤكد على أن المحبة تعني القوة في حد ذاتها، ولا تعني ضعفًا أو تنازلًا عن حقوق أو هدرًا لمقدرات أو تراجعًا عن موقف راسخ؛ فقوة المحب يترجمها في حرصه على الآخر، واحترامًا لما يسهم في تعضيد العلاقات الإيجابية، والتي تؤدي لمزيد من التواصل والوصال، بما يحدث شراكات فاعلة من خلالها تتبادل الخبرات والمنافع العامة منها والخاصة، ويزداد التقدير والاحترام.
والولاء والانتماء من القيم التي تحرص على تعضيدها منابر تنوير العقول والخاصة بوزارة الأوقاف المصرية؛ حيث تستهدف أمرًا مهمًا يتمثل في ترسيخ الهُوِيَّة والتي تُعبر عن ذات الفرد وكيانه الذي يرتبط بمولده وانتماؤه، والثوابت التي يتمسك بها من لغة ومعتقد وقيم موجهة لسلوكه، ومقدرته في الحفاظ على تراثه، واعتزازه بثقافة موطنه، والتفاخر بحضاراته، والطموحات والآمال المشتركة مع بني وطنه نحو المستقبل؛ بالإضافة إلى تعزيز الروح الوطنية وإشاعة التسامح ونبذ الخلاف بين جميع شرائح المجتمع المصري الكريم.
وثمة ارتباط بين ماهية الولاء والانتماء والهُوِيَّة؛ حيث نعايش صورة الشعب المصري العظيم عندما يستشعر المسئولية جراء النداء الذي يحثه على حماية مقدرات وطنه وحماية أمنه القومي؛ فنرى رأيًا موحدًا واصطفافًا سريعًا من كافة أطياف الشعب الهمام، وفي ذات الوقت ينحي هذا الشعب الواعي جانبًا كافة الخلافات، أو التوجهات، أو التباين للرؤى حيال شتى القضايا؛ لتحل محلها القضية الكبرى التي يجتمع عليها المصريون، والتي تتعلق بالأمن القومي للوطن.
ودون مواربة يُعد هذا تميز وتفرد يؤدي إلى استقلالية، ويكشف عن معدن أصيل لمجتمع يمتلك الإحساس بالمسئولية الصادقة تجاه نداء الوطن، تكمن دلالة ذلك بوضوح في إيمانه الراسخ بحقوق هذا الوطن؛ حيث قيمة الانتماء والولاء التي يترجمها الشعور العام عندما تواجه الدولة مخاطر، أو تحديات من الداخل أو الخارج.
ووفق ما تبناه وزارة الأوقاف من مخطط استراتيجي يستهدف دروب التنمية للدولة المصرية؛ لتصبح مؤسسات الوطن منتجة، وفق سياسة تنمية الوعي الصحيح وبناء الفكر القويم للفرد، بما ينعكس على نتاجه وسعيه المشفوع بالعطاء ومحبة الوطن والانتماء لترابه والولاء لمؤسساته الوطنية؛ فيصبح المجتمع قادرًا على التغيير والنهوض نحو التقدم والازدهار، مواكبًا لصور التقدم والتطور التقني وتطبيقاته المفيدة في العديد من المجالات الحياتية والعلمية والعملية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر