أن حزب الله ومنذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” بدأ مقاتلوه باستخدام الرموز في الرسائل، وخطوط الهواتف الأرضية، وأجهزة البيجر؛ لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل.
تعمل هذه الأجهزة عن طريق استقبال إشارة من جهاز إرسال. عندما يرسل شخص ما رسالة إلى جهاز البيجر، يتم تحويل هذه الرسالة إلى إشارة راديو، يمكن استقبالها عن طريق جهاز البيجر.
العملية الإسرائيلية التي جرت بسهولة دون تدخل عسكري، أو قطرة دم إسرائيلية واحدة، أو كلفة مادية لعتاد وأسلحة، دقت ناقوس الخطر فيما يتعلق بالاختراقات والهجمات السيبرانية التي هي إحدى أهم عناصر ما يطلق عليها حروب الجيل الخامس أو الحروب الإلكترونية،
وأكدت في الوقت نفسه أهمية الأمن السيبراني، وحماية شبكات الاتصال والراديو من الاختراقات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. شهدت الحروب واستراتيجياتها تحولات كثيرة على مر التاريخ إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، وأحدث أجيالها هي الحروب الإلكترونية أو حروب الجيل الخامس، بفضل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وما فرضته على العالم من واقع جديد، فانتقلت الحروب من الأرض إلى الفضاء، ومن الواقع إلى الواقع الافتراضي.
وتمكن هذه النوعية من الحروب الخصوم من أن يديروا الصراع مع خصومهم عن بعد، وبأدوات غير مكلفة، ولكنها شديدة الخطورة، إذ يمكن أن يسقط من الخصم آلاف القتلى والجرحى بكل سهولة، وهو ما حدث تقريبًا في حادثة لبنان.
ويمكن أن تستهدف الحروب الإلكترونية، المنشآت الحيوية للدول، والبنية التحتية عالية الأهمية مثل: الكهرباء، والمياه، والاتصالات، أو تعطيل أنظمة السدود، أو المصانع، وكذلك الهجمات التي تستهدف القطاعات الاقتصادية والمالية مثل البنوك أو البورصة. وإن ما يميز هذا النوع من الحروب هو توجيهها أحيانًا نحو الجوانب المجتمعية والسياسية، بهدف زعزعة استقرار المجتمع من الداخل. وقد تمتد هذه النوعية من الحروب لتشمل نشر الشائعات والبلبلة، وتعطيل شبكات الإنترنت؛ فيصبح الفضاء متسعًا وخصبًا لنشر الأكاذيب والشائعات التي من شأنها هدم استقرار المجتمعات، أو تشكيكها في حكوماتها وقادتها على سبيل المثال.
مع تصاعد الهجمات السيبرانية، يعود البعض للنظر إلى التقنيات القديمة، مثل: أجهزة البيجر والهواتف غير الذكية، كبديل أكثر أمانًا من الأجهزة الذكية المتصلة بشبكات الإنترنت، التي تعد هدفًا سهلًا للاختراقات.
تتميز التقنيات القديمة ببساطتها وابتعادها عن التعقيدات الرقمية، مما يجعلها في الظاهر أقل عرضة للاختراقات السيبرانية. على سبيل المثال، – كما ذكرنا أعلاه – تعتمد أجهزة البيجر على شبكات الاتصال الراديوية، وهي تقنيات بدائية نسبيًا، ولا تعتمد على الإنترنت، مما يقلل من احتمالية تعرضها لهجمات سيبرانية معقدة، كتلك التي تستهدف الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. أن البيجر يعتمد على إرسال إشارات رقمية عبر موجات الراديو لإخطار المستخدم بأن شخصا ما حاول الاتصال به كما يمكن إرسال رسائل نصية قصيرة عبر هذا الجهاز، لان البيجر وسيلة شائعة للتواصل، قبل انتشار الهواتف الذكية وخاصة بين الأطباء العاملين في المناوبات الليلية، وموظفي خدمات الطوارئ كما استخدم أيضا في المجالات العسكرية والأمنية.
وكانت إسرائيل من جانبها، قد أعلنت توسيع أهداف حربها المستمرة، منذ قرابة العام، مع حركة حماس في غزة، لتشمل الجبهة مع حزب الله، على طول حدودها الشمالية مع لبنان، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنّ الحكومة الأمنية المصغّرة قرّرت فجر الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر، توسيع أهداف الحرب الراهنة لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل، إلى بيوتهم بعدما نزحوا عنها، بسبب القصف المتبادل مع حزب الله اللبناني.
التصعيد الإسرائيلي على لبنان قد يكون وشيكًا، خصوصًا بعد استدعاء رئيس حكومة الاحتلال لاجتماع أمني عاجل، وما يرافق ذلك من تحركات ميدانية على الجبهة الجنوبية. يسعى الاحتلال لاستغلال حالة الفوضى الناتجة عن الهجمات السيبرانية لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، خاصة في ظل فشله في إخضاع المقاومة اللبنانية عبر الوسائل العسكرية التقليدية أو الضغوط الدبلوماسية.
لكن، كما أظهر التاريخ، فإن المقاومة في لبنان قادرة على امتصاص هذه الصدمات والتعامل بفعالية مع مختلف خطط الاحتلال. فحزب الله، الذي رفض عرضًا أمريكيًا للتراجع عن الحدود بمسافة 10 كيلومترات، يتمسك بدوره كدرع للبنان في مواجهة أي عدوان صهيوني. ومهما كانت نوايا الاحتلال من التصعيد العسكري أو السيبراني، فإن الرد سيكون حاسمًا، وقد يقلب المعادلة على رؤوس المحتلين.
في النهاية، التصعيد الإسرائيلي قد يحاول حفظ ماء وجه الاحتلال الذي تلطخ بهزائم متعددة في الأشهر الأخيرة، إلا أن النتائج قد تكون كارثية على المنطقة بأكملها. فالعدوان على لبنان لن يمر دون رد، والمقاومة أثبتت قدرتها على مواجهة كافة أشكال الهجوم، سواء كانت عسكرية، إلكترونية أو دبلوماسية. أن امتناع إسرائيل عن إعلان مسؤوليتها يعود إلى ما وصفه بـ”الوضع المريح لجميع الأطراف لاحتواء الأزمة إذا كان الطرفان يرغبان في ذلك“.
وبشأن جدوى وجود منطقة عازلة مع وجود أسلحة لدى حزب الله قادرة تصل إلى العمق الإسرائيلي، قال وهبي: “ما شهدناه في السابع من أكتوبر يعطي نموذجا حيا لا يزال في ذاكرة الإسرائيليين خاصة أن الحرب لا تزال مستمرة بأن هناك حاجة إلى منطقة عازلة لأن الهجوم قد يأتي في شكل صواريخ وقد يأتي بهجوم بري مفاجئ كما حدث من غزة“
أن “حزب الله هو من صنع حزاما أمنيًا حاليا داخل إسرائيل، حيث نزح المواطنون الإسرائيليون في المناطق الشمالية بسبب الهجمات وتغيرت حياة الناس، وبالتالي بات على إسرائيل اتخاذ ما يلزم من تدابير لإعادة النازحين سواء بالوسائل السلمية أو الحرب”.انه يترافق هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير والمتعمد مع تهديدات إسرائيلية بتوسيع رقعة الحرب بإتجاه لبنان على نطاق واسع، وتصلب المواقف الاسرائيلية الداعية الى مزيد من سفك الدماء، والدمار، والخراب.
ومنذ اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت الآلاف من عمليات القرصنة والهجوم السيبراني على بعض المرافق الإسرائيلية، حتى إن محللين اعتبروا أن الحرب بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال لا تدور بالميدان فحسب، بل بالعالم الافتراضي والرقمي أيضا. بعد نحو أسبوعين على انخراط حزب الله بالمواجهة الحدودية مع إسرائيل دعما لقطاع غزة، انعكست تداعيات الحرب على مطار بيروت، إذ قررت شركة “طيران الشرق الأوسط” اللبنانية (مالكة الخطوط الجوية الرسمية) إجلاء 10 طائرات من أصل 22 طائرة للدول المجاورة، بعدما أبلغتها شركات التأمين، أنها ستخفض تأمين الحرب على الطائرات بنسبة 80%، كون لبنان أمام مخاطر حرب.
ورغم استمرار الملاحة بالمطار، لكن هذه الإجراءات تضاف إلى الواقع الميداني، وما شهده أخيرا، عرضته لضغوط كثيرة وإرباك، بعدما خفضت شركات طيران أجنبية مستوى وعدد رحلاتها من وإلى لبنان. إن “إسرائيل صاحبة المصلحة الأولى بالهجوم السيبراني على المطار، مذكرا بأنها لا تعترف بمعاركها بالفضاء الرقمي”.بأن الهجوم حمل رسالة مباشرة لحزب الله، وجاء بعد ضرب الحزب لأكبر قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية شمالا برد أولي على اغتيال العاروري ورفاقه الستة.
وأثار تفجير 5 آلاف جهاز اتصال لاسلكي (بيجر) استوردتها جماعة “حزب الله” اللبنانية قبل شهور غموضاً من تايوان إلى المجر، بينما زادت احتمالات اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط بين الجماعة المدعومة من إيران وإسرائيل. وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لوكالة “رويترز” إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) زرع متفجرات داخل أجهزة الـ “بيجر” قبل أشهر من تفجيرات أمس الثلاثاء.