لعل مقولة (أعرف نفسك) التي أطلقها سقراط قبل أكثر من ألفي عام، تعد واحدة من أهم (النصائح) التي يجب أن يسترشد بها الإنسان.
ذلك أن من يعرف نفسه معرفة حقة صادقة يسهل عليه تطويرها واستثمار مهاراتها من أجل إنجازات أكبر في معارك الحياة من جهة، أو يخفف من عيوبها وسلبياتها بما يجعله إنسانا مقبولا في بيئته ومجتمعه من جهة أخرى.
فعلى سبيل المثل: هل تأمل الواحد منا ذاته بعمق وسأل نفسه هذه الأسئلة: هل أنا شخص موهوب، وفي ماذا بالضبط تتجلى هذه الموهبة، وإلى أي مدى؟
هل أنا إنسان ذكي اجتماعيًا، أستطيع جلب محبة الناس والتفافهم حولي لوكنت مسؤولا في عمل؟ أم أنا رجل غليظ منفر يفر مني المرؤوسون؟
هل أنا ضمن قبيلة الشجعان أواجه الفساد والجور والظلم بحسم وذكاء، أم أن الجبن منغرز في نفسي والهروب من المواجهة طبع متأصل في كياني؟.
وتتناسل الأسئلة التي يجب على المرء أن يطرحها على نفسه ليكتشف ذاته بشكل أعمق، مثل: هل لي حصة في خفة الظل؟ أم أن ثقل الدم بات من نصيبي؟
هل للبخل مساحة ضخمة في سلوكياتي، أم أن الكرم يزين أعمالي؟ علمًا بأن البخل في المال انعكاس بشكل ما للبخل في المشاعر والأحاسيس، فالذين أدركتهم نعمة الكرم يتقززون من الذين أدركتهم لعنة البخل.
الهمة العالية صفة مرغوبة ومطلوبة وأساسية في الحياة، فهل سأل الواحد منا نفسه: هل أنا من أصحاب الهمة العالية؟ أي أنني أعشق عملي وأتفاني في إتقانه، بل أبتكر ما يطوره فيسعدني ويسعد الناس؟
أم أن الكسل يلازمني ويعرقل إقدامي في عملي وفي حياتي بشكل عام؟.
وبطبيعة الحال، لا يمكن أن ننسى ثنائية الغرور والتواضع في النفس البشرية، فهل وعى كل واحد منا علاقته بهذه الثنائية؟
وهل بسط الواحد منا سلوكياته أمام نفسه وتفحصها جيدًا وتساءل: هل نشأت مكبلا بسلاسل الغرور أم أن أسرتي ووعيي بالحياة هذبا مشاعري وأنبتا زهور التواضع في صدري عند تعاملي مع الآخرين؟.
ونأتي إلى دور الجينات الوراثية، وهو دور حاسم، فهل نظر المرء في تاريخ أبويه وراقب بجدية تصرفات والده ووالدته وأشقائه؟
هل انتبه كل واحد منا إلى أنبل ما في والدته بعيدًا عن مشاعر الحب التي تسكبها الأم على أبنائها بحكم قوانين الغريزة؟
هل شاهد الابن أباه وهو يتعامل معه ومع الآخرين وأدرك كم هو رجل محترم متسامح كريم النفس يراعي الناس، أم أن هذا الأب إنسان أناني ضيق الأفق حقود ذو قلب أسود غليظ اللسان؟ أم بين بين؟.
إن العمل بمقولة (أعرف نفسك) ليس يسيرًا، بل هو أمر شاق على العقل والنفس والروح، إذ يحتاج من المرء البحث والتدقيق والتمحيص والتأمل في عمق أعماق ذاته وأفعالها وردود أفعالها.
لذا أظن أن منتصف العشرينيات من العمر هو السن المناسب الذي يجب على المرء فيه أن يبحر في ذاته لعل وعسى يعرف جوهرها.