تتحدد هويتنا الثقافية الدالة على حضارتنا الأصيلة مما نراه من أنشطة راقية بمتنوع الفنون والبرامج المقدمة من مؤسسات الدولة المصرية بمختلف غايتها، والتي تصب جميعها في بوتقة بناء الإنسان بما يتناغم بصورة تامة مع ما يؤمن به من نسق قيمي نبيل استلهمه من منابر وروافد عديدة، بدأت من الأسرة وانتهت بتعاملات منفتحة على مصراعيها مع مجتمعه، ونقر بأن ثقافتنا الجميلة تتضمن ألوانًا من الأدب والفنون والعلوم، ناهيك عن التراث واللغة والعادات والتقاليد، والقوانيين، والأعراف، وهذا في مجمله ما يكون الهوية التي تعضد ماهية الولاء والانتماء.
وعندما نتفحص ما تتبناه مؤسسات الدولة المصرية من استراتيجيات ومخططات طموحة، نجد فيما بينها قاسم مشترك يتمثل في الاهتمام بماهية الوعي الثقافي لدى الفرد؛ ليتم العمل على استثمار ما لديه من طاقات كامنة في مسار صحيح يسهم حتمًا في إحداث التنمية، كما يؤدي إلى خلق مناخ داعم لاكتشاف ما لديه من مواهب ومهارات متفردة؛ ليصبح عطاؤه غير محدود؛ فقد أضحت الموهبة وأصحابها في طليعة اهتمام الأمم والشعوب دون مواربة.
إننا نشاهد صورة ناصعة لثقافتنا الجميلة عبر ما يقدمه الشباب المصري من متلون فنون سواءً أكان في مجال السينما، أو المسرح، أو إحدى مجالات الفنون الموسيقية، والشعبية، والتشكيلية، بما يسهم في تزويدهم بجديد المعارف وعميق الفهم المرتبط بالنسق القيمي وكافة القضايا الخاصة بالعقدية الوسطية والمناحي الاجتماعية والجوانب السياسية وخبرات المجالات الاقتصادية، والثقافية، والصحية، والتاريخية.
وفي خضم ثقافتنا الجميلة نرى بعين البصيرة شبابًا واعدًا يمتلك مجموعة من الخبرات المصبوغة بالاتجاهات الإيجابية والسلوكيات الحميدة والمبادئ والقيم الأصيلة التي تحثه على أن يكون متحملًا لمسئولياته الجسيمة؛ فتزداد مشاركاته التي تسهم قطعًا في تنمية ونهضة مجتمعه بصورة مستدامة؛ فتتكون هويته وتتشكل شخصيته التي لا تنفكان عن إطار القومية، ومن ثم يصبح لديه نسقًا من قيم وعادات وتقاليد دالة على رقي المنشأ والنشأة.
ورغم نظرتي المتفائلة حيال ثقافتنا الجميلة؛ إلا أننا في احتياج لمزيد من البرامج والأنشطة التكاملية التي تقوم بها أو تنفذها مؤسسات عديدة لتفتح أمامنا أمل التخلص من التبعية الافتراضية التي أوهمت وأرهقت فكرًا بكرًا فدحضت من أحلامه وقللت من عزيمته، بل وانحرفت به لمسارات غير حميدة، وأثرت بقوة على نسقنا القيمي؛ فقد أضحت المخاطر مشهودة وبوادر حصادها قاب قوسين أو أدنى.
وفي هذا السياق يتوجب أن تتلاقى الرؤى المؤسسة على أمر جامع يتمثل في إحداث توعية ثقافية تظهر قوة الهوية المصرية من خلال تعميق الجانب الثقافي؛ كي يتيقن الفرد أن حضارته ذات مكانة كبيرة بين حضارات العالم المتقدم منه والمتأخر، ومن ثم لا يستكثر على نفسه أن يكون قائدًا يحقق آماله وطموحاته وأهداف وطنه العليا الذي يفخر به.
وشبابنا الواعد يمتلك مقومات مبهرة بما فيها ألوان وصور الفنون، وهذا يستوجب أن نتبنى خططًا ممنهجة تستهدف تعظيم ما لديهم من مواهب، وإظهار ثقافتنا الجميلة تستدعي التدريب المستدام لشبابنا؛ فهناك ما ينبغي أن تقوم به هيئات وزارة الثقافة عبر ما تعقده من ورش مستدامة لأصحاب الهوايات في مجالات التأليف المسرحي، والإخراج، والتمثيل، والديكور؛ بالإضافة إلى العناصر المساعدة من فنيي الإضاءة والصوت وغيرها لجذب أكبر نسبة من الموهوبين ومحبي المسرح من شبابنا الواعد.
وختامًا نطمح أن تتضافر الجهود تجاه ترسيخ وعينا الثقافي لدى أبناء مجتمعنا الفاضل لتظل ثقافتنا الجميلة متوارثة؛ فنستطيع من خلالها حصاد ثمرات لا حصر لها؛ فتنمو لدى أبنائنا المقدرة على التفكير الابتكاري منه والناقد والتأملي والتحليلي؛ فيتمكن الفرد من أن يستنتج ويستنبط ويتناقش متأدبًا بمعايير الحوار وأسسه الراقية متحليًا بجمال الخلق متطلعًا لمستقبل أفضل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع
ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
بكلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر