سكن الليل .. ورقدت الحياة في مدينتي التي صارت تغفو مبكرّا .. ولا مستيقظ الا سراج غرفتي .. وانا في دوامتي وارقي المعهود .. لا اجيد الاّ ممارسة اجترار احزاني انيسا في وحدتي ورفيقا صدوقا في حلكة ليل نفسي الداجن .. انه ( تشرين ) .. ولم يخطر ببالي ان لهذا الفصل الذي ينعتونه بالخريف .. والذي تبدأ به شريعة الطبيعه وامتثال الفصول .. فتحت باب نافذتي المطلّه على حديقة المنزل الصغيره .. فلم تصدّق عيني ما رأت .. لربما كان حلما .. وربما غفوه او هجعه او تهويمه .. فكيف يكون لــ ( يمامه ) حضورا على الغصن الملاصق لشباك نافذتي .. يمامه بيضاء وديعه لكنها ما ان رأتني تقاسمنا الدهشه .. لا هي تبغي الهروب .. ولا انا ابغي لها ان تطير .. هو الليل فأنّا لها ان تطير .. لكن من جاء بها الى غصن حديقتي لتقف امام شباك نافذتي ( العتيق ) … رحت انظر اليها وراحت ترمش بعينيها .. والغريب ان يتجلّى عفوا وحاشاه ..لكنه تجلّى .. في روعتي سليمان الحكيم وهالني ما اطرب سمعي من هديل .. يا الهي ..حمامه وديعه بيضاء ( عذراء ) اختارت دون القصور ودون الجنائن الوقوف عند شباك اسود داكن متهريء جردته السنون لونه حتى لم يعدله من البريق ما يجذب اي مخلوق ..فكيف ( بيمامه ) .. بأمكانها صفق جناحيها وتختار اين ما تحط او في اي سماوات عليا تطير .. يا الهي .. حاولت استفزازها وصفقت بيدي علّي افزعها .. وعلها تدرك بانها قد اختارت المكان الخطأ .. والزمن الأخطأ .. ولعلها تدرك حقيقة الامر .. فتفر مذعوره .. حيث اي مكان ارحب من حديقتي الصغيره واطلالتي ( المخيفه ) وهالات التعب وما رسمته على وجهي ريشة السنين .. شحوب .. وتجاعيد .. وحوافر الجبين .. وجفون مرهقه حبلى بورم مخلفات السنين .. المفاجأه الكبرى .. ومالم اصدقه لهذه الهنيهة .. سمعتها .. بل سمعتها .. ولا ادري هل ماسمعته من همس جنوني ..! ام من هوس التياعي ..! ام من جرّاء مخاضي العسير ..! والله العظيم سمعتها وهديلها يشق صمت العتمة وسكون الدجى .. وهي تنطق مغرّده … ( اسفار ) … اسفار .. ومشاوير وها انا بعد تعبي ..احط على غصنك .. لا لاستريح برهة .. بل كوني وجدت بوقوفي عند شرفتك ما لم اجده في كل المشاوير .. من ذهولي صدقتها .. ومن ذهولي لم اعد افقه ماذا يدور وماذا يحدث ؟.. فكيف ليمامة طروب .. لا تكاد او تجرأعلى وصفها الحروف فلها من الوداعة ضروب .. كيف ليمامه لا تقوى العيون على النظر اليها لاشعاع عينيها وملاسة وطراوة .. ونعومة .. ونقاوة .. وهدئة .. وسمو .. معانيها .. كيف لها المكوث على غصن بدا يدب الذبول في ارجاؤه ..وتصفّر اوراقه .. والخريف قادم لا محاله .. ماذا اصنع يا الهي وليس في شباكي ما يغري ولا في حديقتي ما يغني .. ولا في غصني ما يستحق المكوث عليه .. وانا المتيقّن ان لا اعشاش في حديقتي اطلاقا .. والعش الوحيد الذي يمكن له ان يأوي .. هو قلبي الجريح ..