في أعماق المصريين حب جارف وتوقير لأولياء الله الصالحين..ليست القاهرة فقط هي مدينة الألف مئذنة..بل لا يكاد يخلو نجع او قرية في مصر المحروسة من مقام شخص يعتقد الناس أنه مبارك ويحكون عن كراماته الكثير..
لكن الإمام الشافعي مع تاريخه القيم في الفقه و التراث الديني وفهمه العميق لدعائم الدين الحنيف يمتلك ميزة إضافية يقدمها المصريون الذين يبعثون إليه بالرسائل يتحدثون فيها عن أمورهم الشخصية وأمانيهم ويرجون مساعدة الإمام في حلها وهي الظاهرة التي اهتم بها خبير الاجتماع سيد عويس ولست أدري هل هي مستمرة أم لا ..لكنها قصة حب طرفاها الإمام وعموم المصريين .
**فى أعماق المصريين.. وشائج حب وروابط عميقة تربطهم بأولياء الله الصالحين.. ويتبركون بزيارة اضرعتهم.. والصلاة فى رحاب مساجدهم.. يحرصون على زيارتهم.. فى ذكرى ميلادهم.. أو المواسم الدينية وأيام السنة المباركة.. ظاهرة فريدة لا تقتصر على المقربين من المكان.. بل من كل مكان فى أرض المحروسة.. طالبين البركة.. والدعاء لله سبحانه وتعالى لتحقيق الرجاء والآمال.
**إنه تراث محمود تتواصله الأجيال.. كان أبى رحمه الله.. حريصاً على أن يأخذنى ليلة الامتحان لزيارة المساجد التى تضم أهل البيت الكرام.. وبعد الصلاة يصحبنى فى طواف ملىء بالتهجد والدعاء.. بالتوفيق والنجاح.. وقد أضاف لهذه الذاكرة منذ عدة عقود العالم الاجتماعى المعروف سيد عويس إلى أركان العلاقة.. بحثاً مهماً تناول فيه بالدراسة والتحليل رسائل من إناس مختلفين فى السن والوظيفة والمكانة والدخل إلخ.. اتفقوا على الكتابة للإمام الشافعى عن مشكلات مستعصية.. وأزمات.. وآمال ورجاءات ينتظرونها بفارغ الصبر.. لتغيير مساراتهم إلى ما هو خير وتجاوز العقبات.
**ولست أعرف ماذا فى صندوق بريد الإمام.. ولكنى أشعر بخيط رفيع يربطها بأحد طبائع المصريين منذ القدم.. يشاركهم فيه معظم شعوب الأرض.. يتمثل فى شوق كامن لاستطلاع ما يحمله الغد.. وربما المستقبل من مؤشرات تساعدهم على رسم صورة مبدئية.. تدعم الاستعداد للمواجهة وتذلل من عنصر المفاجأة.. حفاظاً على قدرة العقل التصرف الصحيح.. واستفتاء القلب بالصواب المريح.
اتخذ هذا السلوك الاجتماعى مسارات متعددة.. ناتج تواجدها بمسح التراث الثقافى والإبداع الأدبى والدرامى خصوصاً.. الذى التقطتها بعيون نافذة من مسرح الحياة.. تبدأ بالأسهل وربما الأشهر.. وتعنى بها قراءة الكف.. وخطوط أبعد.. هذا للعمر.. وذاك للعمل وثالث للزواج.. والأولاد.. إلخ.. ولترويج بضاعتهم نسبوها إلى الفلك ومسار للنجوم والكواكب.. ومزجوها بتقسيم الإنسان إلى معادن.. من حديد.. ونحاس.. وذهب.. إلخ.. وانتشر أيضاً تظاهرة بين الهواة.
**أما الثانية فهى قراءة الفنجان التى ركزت عليها الدراما فى الكثير من الأفلام.. لقاء لجمع من السيدات على فنجان قهوة.. ثم تأتى الهاوية أو المحترفة.. لتقرأ ما فيه بعد الاحتساء.. أشكال متعددة من بقايا البن.. قد تشكل رحلة.. أو ملامح لعريس منتظر.. أو فترة تحمل نوايا شريرة.. إلخ.. وغالباً ما تؤدى هذه الرحلة إلى الذهاب إلى أحد الدجالين لعمل حجاب بالوقاية.. أو عمل يقلب السحر على الساحر.. ويكون سر المهنة غائبا عن قارئة الفنجان.. على علم مقدماً بأحوال صاحبته.. والنتيجة رواية محبوكة.. وعواقب غير محمودة.
**وإذا كانت قراءة الطالع فى الكف وكشف الأسرار فى قاع الفنجان.. قد تطور كثيراً.. عن طريق البعض الذين انتقلوا بالمهنة إلى الفنادق وشواطئ القرى السياحية والمنتجعات.. فإن السينما المصرية قد أضافت لذلك.. ظاهرة العراف القادم من الخارج «الهندى مثلا فى سى عمر» فقد وجد هواة التنويم المغناطيسى ميدانهم فى الموالد والمهرجانات والكازينوهات.. والسيرك.. بأداء مشترك فى البروفسور ومعاونته الفتاة الجميلة التى تنام بالإيحاء.. وتكشف أسرار المتقربين.
**وعلينا ألا ننسى قارئة الودع.. التى ركزت عليها الدراما.. اختارت لها شخصية الغجرية.. التى تدور الأسواق والشواطئ والبلدات.. والمقاهى.. تنادى «أوشوش الدكر.. الدكر أشوف».. ومع نظرة إعجاب يسقط الضحية.. رامياً بياضه.. وقد تنشأ قصة حب مجهولة المسار.. وبين هؤلاء جميعاً.. حظيت قارئة الفنجان للشاعر الكبير نزار قبانى.. بمقام رفيع.. بصوت العندليب ومازال الإنسان يبحث عن الأمل والتفاؤل.. ويرجو حلول مناسبة وأيام متفاوتة.. ويدرك فى قلبه وعقله.. كذب المنجمون ولو صدقوا.. ذلك قول الصدق وطريق النجاة.
صالح إبراهيم