هشام مبارك
في لعبة الانتخابات الأمريكية لا توجد ثوابت، إذ الهدف الأول والأخير، هو استمالة أكبر عدد من الناخبين لجلب العدد الأكبر من الأصوات. يستوي في ذلك مرشح الجمهوريين دونالد ترامب، والديمقراطية كامالا هاريس. وفي حين يعتمد الأول بشكل أساسي على مهاجمة المهاجرين بشكل عام، والمسلمين منهم بشكل خاص، فإن الثانية ترى في الأمر فرصة لاستمالة تلك الشريحة لصفها، رغم تراجع شعبية الديمقراطيين الواضحة بين العرب والمسلمين على خلفية الدعم غير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة.
والآن وعلي بعد أمتار من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض والذي يستعد لاستقبال رئيس جديد، تُعول هاريس على ورقة العرب والمسلمين لأسباب عدة أهمها تركزهم في واحدة من الولايات المتأرجحة، والحاسمة أيضا وهي ميتشجان التي التقت فيها هاريس قيادات من الأميركيين المسلمين وذوي الأصول العربية للرد علي الجدل الدائر بسبب موقف الإدارة الأميركية التي لا تزال هاريس تمثلها من الحرب في غزة والتصعيد في لبنان. وقد حاولت هاريس طمأنتهم بعبارات دبلوماسية لم حمل وعوداً قاطعة وقال متحدث باسم حملة هاريس بعد اللقاء إن المرشحة الديمقراطية ملتزمة بكسب كل صوت وتوحيد البلاد، مع مواصلة العمل لإنهاء الحرب في غزة.
المسألة ليست بهذه السهولة فليست بالتصريحات وحدها تُكسب الإنتخابات حيث تواجه كامالا هاريس – رغم مغازلتها المستمرة للمسلمين وللعرب عموما – تحديات كبيرة لكسب دعم كل المجتمع المسلم، الذي يشعر جزءكبير منه بخيبة أمل تجاه سياسة الإدارة الأميركية الحالية.ورغم إعلان ٢٥ من الأئمة تأييدهم لهاريس، في رسالة مفتوحة أشاروا خلالها إلي أن دعم هاريس هو يعد الخيار الأفضل لإنهاء النزاع الدموي في غزة ولبنان مقارنة بالبدائل الأخرى مثل عودة ترامب، التي تشكل من وجهة نظرهم تهديدًا كبيرًا للمجتمع المسلم.
نسبة قليلة مؤثرة
لكن مجموعة اخري من الناخبين العرب الغاضبي الدعم الأميركي للحرب في غزة بدأوا يتحولون من تأييد هاريس، إلى دعم مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، بأعداد ليست قليلة قد تحرم المرشحة الديمقراطية من الفوز في السباق بولايات حاسمة ستحدد مصير انتخابات الرئاس، ورغم أن أعداد المسلمين في امريكا تبلغ حوالي ٣،٥ مليون نسمة بنسبة ١٪ فقط من عدد السكان البالغ 335 مليون نسمة، فإن ناخبيهم قد يثبتون أنهم حاسمون في سباق تظهر استطلاعات الرأي أنه متقارب بين هاريس وترامب.أما حزب الخضر ففرص فوز مرشحته تكاد تكون منعدمة رغم أنه متواجد على قوائم التصويت في أغلب الولايات، بما في ذلك جميع الولايات التنافسية التي قد تحسم نتيجة الانتخابات، ما عدا ولايتي جورجيا ونيفادا حيث يخوض الحزب معركة قضائية من أجل إدراجه على قوائم التصويت.كما تتقدم ستاين على هاريس بين المسلمين في أريزونا وويسكونسن، وهما ولايتان متأرجحتان تضمان عددا كبيرا من السكان المسلمين.
و رغم محاولة هاريس أن تكون أكثر وضوحاً بالدعوة إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وإعادة الرهائن الذين تحتجزهم حماس في القطاع مؤكدة أيضا إن إسرائيل يجب ألا تعاود احتلال القطاع الفلسطيني وعبرت عن دعمها لحل الدولتين.لكن زعماء الجالية العربية والإسلامية اظهروا غضبهم لأن مسؤولي حملة هاريس رفضوا خلال عدة اجتماعات مغلقة في مدن أمريكية كبري النداءات بوقف إرسال الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل أو علي الأقل الحد منها.و أظهر بعض المفكرين الأمريكيين إحباطهم من لعبة الانتخابات التي لم تسفر من وجهة نظرهم طيلة عقود ماضية عن انتخاب الأصلح للبلاد بل قال بعضهم أن آخر أربعة رءوساء أمريكيين لم يكن يصلحوا للحكم ولا للسياسة من الأصل.بينما قال البعض تصريحات لا تقل إحباطاً عن سابقتها مثل تصريح “فاي نمر”،مؤسسة غرفة التجارة الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،شيغان، التي قالت أن التنظيم المجتمعي والمشاركة المدنية والتعبئة على مدى عقود لم تسفر عن أي فائدة!.وقال المفكرة ساندي جامونر وهي تنتمي لأصول مهاجرة:حن جزء من نسيج هذا البلد، لكن مخاوفنا لا تؤخذ في الاعتبار”.
هاريس تحاول كذلك التواصل مع مجموعة كبيرة من الناخبين اليساريين الذين يشعرون بالغضب من التكلفة الإنسانية لحرب إسرائيل وحماس،ورغم أن هاريس أكدت مرارا وتكراراً على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إلا أنها تحاول الإبقاء على التوازن من خلال التعبير عن تعاطفها مع الضحايا المدنيين بين الفلسطينيين.
هجوم جديد
علي الجانب الآخر لا يزال الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب يرفع شعار شمشون الجبار عليّ وعلي أعدائي ،وناهيك عن مواقعه العدائية الواضحة للإسلام وللمسلمين والخلط بين الإرهاب والإسلام ،فهو لا يترك أيضا مناسبة دون أن يهاجم فيها طائفة من المهاجرين، آخرها وصفه للمهاجرين الفنزويليين والكونغوليين بالمجرمين وهو ما كرره اكثر من ٧٠ مرة خلال عام واحد تقريبا منذ سبتمبر من العام الماضي.
كما تكرر وصفه للمهاجرين من السلفادور، وهندوراس، والمكسيك، وغواتيمالا، بمصطلحات مماثلة، في حين لم تشمل تصريحاته أي انتقادات للمهاجرين من الدول الأوروبية.والغريب أنه كلما اقترب موعد الاقتراع كلما أصبحت خطابات ترامب تجاه المهاجرين أكثر حدةً، وهو ما يصفه المراقبون بكونه مناورة انتخابية بينما يراه البعض مقامرة قد تطيح بفرص عودته للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
استراتيجية الخوف
أساتذة علم الاجتماع في أمريكا يرون أن خطاب ترامب جزء من استراتيجية قديمة تهدف إلى تعزيز الخوف من الآخر. حيث تعتمد على تصوير الخطرا لداخلي والخارجي كمصدر تهديد واحد، وهي استراتيجية استُخدمت في خمسينيات القرن الماضي لتحفيز الناخبين الأميركيين على التصويت، من خلال إثارة مخاوف اقتصادية واجتماعية.
وجدير بالذكر أن بعض المهاجرين الذين استهدفهم ترامب، مثل القادمين من هايتي وأفغانستان وأوكرانيا وفنزويلا، يعيشون في الولايات المتحدة بشكل قانوني بموجب برنامج الحماية المؤقتة (TPS)، الذي يسمح لهم بالإقامة مؤقتًا نتيجة للأوضاع غير المستقرة في بلدانهم. ومع ذلك لم يسلموا من تصريحاته العدائية وبأنهم يقومون بأعمال تمس أمن الولايات المتحدة رغم أن البرنامج الذين يقيمون بموجبه علي أرض أمريكا يجبرهم علي إعادة التسجيل سنويًا لدى وزارة الأمن الداخلي، للحفاظ على وضعهم القانوني.