ومراجعة موقف مصر مع الصندوق تعني إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل بعضها لفترات لاحقة، لتخفيف صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي. وأعلنت مصر عن أكثر من صفقة، خلال العام الجاري، تبيع فيها حصصا للدولة في عديد من الشركات لمصلحة القطاع الخاص المحلي. وفي حال ظهور خلافات بين الجانبين بشأن مواعيد تنفيذ الإصلاحات، فإن الصندوق قد يتجه إلى تأجيل مراجعات البرنامج مع مصر، وهو ما سيؤجل تسليم شرائح جديدة من القرض البالغ 8 مليارات دولار. أوفت مصر بجزء كبير من تعهداتها مع صندوق النقد الدولي، وفقاً للبرنامج الحالي القائم معه، كما اتخذت العديد من القرارات الصعبة.
وكان من المقرر إجراء المراجعة الرابعة للبرنامج بداية أكتوبر الجاري، إلا أنها تأجلت إلى مطلع نوفمبر، بطلب من الصندوق نفسه، وستفرج المراجعة الرابعة عن 1.3 مليار دولار من الأموال المرتبطة بها، ضمن برنامج بقيمة 8 مليارات دولار. كل مراجعة من صندوق النقد لصرف شريحة، ترتبط غالباً بمجموعة من نقاط التحقق واستيفاء بعض الشروط. فإن صندوق النقد لا يزال متمسكا بنظرياته الاقتصادية “القديمة” ويُجبر الدول التي ترغب في الاقتراض منه على اتباعها،
وكانت التعليقات السابقة لصندوق النقد الدولي على برنامجه مع الحكومة المصرية، تركز على 3 نقاط أساسية؛ الأولى تخص تسريع بيع الأصول من جانب الحكومة؛ ودعا الصندوق إلى ضرورة استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات استرداد التكاليف، بما في ذلك أسعار الطاقة بالتجزئة بحلول ديسمبر 2025. ويشمل هذا أسعار المحروقات والكهرباء.
ووفقاً لصندوق النقد فإن هذا ضروري لدعم التوفير السلس للطاقة للسكان والحد من الاختلالات في القطاع. أن هذه الاستثمارات قد تعني أن أموال صندوق النقد ليست بالأهمية نفسها الآن، لكن في النهاية سيكون الاستمرار في دعم الصندوق مطلوباً مع استمرار الضغوط الخارجية على الاقتصاد المصري. فإن صندوق النقد لا يزال متمسكا بنظرياته الاقتصادية “القديمة” ويُجبر الدول التي ترغب في الاقتراض منه على اتباعها، فإن صندوق النقد لا يزال متمسكا بنظرياته الاقتصادية “القديمة” ويُجبر الدول التي ترغب في الاقتراض منه على اتباعها،
تعتبر زيارة جورجيفا فرصة مهمة لمناقشة الإصلاحات الاقتصادية التي يتعين على مصر تنفيذها، خاصة بعد المحادثات التي جرت حول تمديد فترة تنفيذ برنامج الإصلاح المبرم في مارس الماضي. وتستند التوقعات إلى ضرورة معالجة التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر، بما في ذلك الصراعات الإقليمية وتأثيراتها السلبية. وفقًا لتصريحات الرئيس السيسي، فإن مصر قد تضطر لإعادة تقييم برنامجها مع صندوق النقد الدولي، الذي تصل قيمته إلى 8 مليارات دولار، إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية. يشدد السيسي على أهمية أن تكون هذه التقييمات مرنة وتعكس الواقع الاقتصادي للمواطنين. قد تؤثر زيارة جورجييفا على استقرار السوق المصري. فالتوقعات تشير إلى أن هذه الزيارة قد تؤدي إلى نتائج إيجابية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، مما يسهم في تعزيز الثقة بين المستثمرين الدوليين. يترقب الكثيرون ما ستسفر عنه هذه الزيارة، خاصة في ظل الأوضاع الحالية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التواصل مع صندوق النقد الدولي أمرًا حيويًا لتحديد استراتيجيات فعالة تلبي احتياجات البلاد. فالحوار المستمر قد يسهم في استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يزيد من استقرار البلاد في هذه الأوقات الصعبة. ورفعت مصر يوم الجمعة الماضي أسعار مجموعة كبيرة من منتجات الوقود للمرة الثالثة هذا العام، مع زيادة أسعار السولار (الديزل) والبنزين بما يتراوح بين 11% و17%.
في السابق، لم يكن التوجيه المكثف لسعر الصرف يعود بالنفع على مصر بشكل جيد. فقد أدى إلى فترات من تراكم الاختلالات، وهو ما أفضى بدوره إلى تراجع الأصول بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية، وترشيد النقد الأجنبي، ودفع البنك المركزي إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري فجأة مقابل العملات الأخرى. وأدت عمليات تخفيض سعر الصرف هذه إلى ارتفاعات حادة في معدل التضخم وأضعفت النشاط الاقتصادي مع فقدان المستهلكين والمستثمرين ثقتهم في سلامة أوضاع الاقتصاد المصري.
وبالتالي، فإن هدف السياسات في ظل البرنامج الذي يدعمه الصندوق هو تحديد قيمة الجنيه المصري على أساس حر أمام العملات الأخرى (أي إرساء نظام سعر صرف مرن)، الأمر الذي من شأنه تجنب تراكم اختلالات مزمنة في عرض العملات الأجنبية والطلب عليها في مصر ويحافظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وفي ظل هذا الإطار، سنلاحظ تحرك سعر الصرف صعودا وهبوطا، حيث يرتفع أو ينخفض تماشيا مع الأوضاع الاقتصادية
. وسوف تعود مرونة سعر الصرف بمنافع عديدة، وستساعد الاقتصاد المحلي في مصر على التكيف بسلاسة أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية، وتدعم قدرة مؤسسات الأعمال المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج، وتشجع على المزيد من الاستثمار وذلك بالحد من احتمالات حدوث تغيرات مفاجئة كبيرة في سعر الصرف. وإضافة إلى ذلك، فسوف تساعد على الحفاظ على هوامش الأمان المالية لدى البنك المركزي.
تمثل الفجوة في التمويل الخارجي الفرق بين الحجم المتوقع لعرض التمويل بالنقد الأجنبي والطلب عليه، بما فيه الطلب على النقد الأجنبي لإعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وسوف يساعد الدعم المالي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي في ظل البرنامج على سد جزء من الفجوة التمويلية. وإضافة إلى ذلك، فإن أحد الأهداف المهمة للبرنامج الذي يدعمه الصندوق هو تشجيع الشركاء الدوليين والثنائيين، وكذلك المستثمرين من القطاع الخاص، على تقديم الدعم المالي على نطاق أوسع.
وبينما تواجه الأسواق المالية الدولية الخاصة أوضاعا صعبة عند هذا المنعطف على مستوى مجموعة كبيرة من الأسواق الصاعدة، ومنها مصر، يحظى البرنامج بدعم مالي دولي وإقليمي كافٍ. والأهم من ذلك، استطاعت مصر أن تحصل على تمويل جديد تبلغ قيمته نحو 5 مليارات دولار في السنة المالية 2022/2023 (السنة المالية الأولى للبرنامج)، ستحصل على ملياري دولار منها من خلال بيع أسهم في رأس مال شركات من القطاع العام، بما فيها عمليات بيع كجزء من استراتيجية السلطات بشأن الخصخصة، والتي ينفذها صندوق مصر السيادي. وذلك بالإضافة إلى تمديد ودائع دول مجلس التعاون الخليجي لدى البنك المركزي. وسوف يأتي المبلغ المتبقي بقيمة 3 مليارات دولار من دعم متعدد الأطراف. إن حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي ومكافحة التضخم مطلب ضروري لضمان تحقيق الرخاء لجميع المصريين، ولا سيما أضعف الفئات. وفي هذا الصدد، سوف تركز السياسة النقدية في ظل البرنامج على مكافحة التضخم والحد من تآكل القوى الشرائية الذي يقع تأثيره الأكبر على الأسر الفقيرة والأسر من الطبقة المتوسطة. وعلاوة على ذلك، تخطط السلطات لتوسيع نطاق الإنفاق الاجتماعي في ظل البرنامج لمساعدة أضعف الفئات. ومن المقرر اتخاذ عدد من التدابير التي تتضمن: (1) توسيع نطاق التحويلات النقدية في ظل برنامج تكافل وكرامة لتغطي خمسة ملايين أسرة إضافية، و(2) تعميم نظام التأمين الصحي الشامل واستمرار برنامج التطعيم ضد فيروسكوفيد-19، و(3) تقديم الدعم الطارئ لحملة بطاقات التموين والتوسع في اتخاذ تدابير لحماية القوة الشرائية للعاملين بأجور محدودة وأصحاب المعاشات، و(4) التوسع المقرر في السجل الاجتماعي الذي سيمكن السلطات من توجيه برامج الحماية الاجتماعية لمستحقيها على نحو أدق.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا