كنت وما زلت وسأبقى أبد الدهر أعشق بلدي وتراب بلدي وأهل بلدي، نشأنا وترعرعنا منذ أنامل أظافرنا على حب الوطن والانتماء إليه وتقديس هذا الحب وتفضيله، وتربت مسامعنا على ذكر هذا الحب والوفاء والتضحية في سبيله وسمعنا ودرسنا بطولاته وتاريخه المشرف وتغنينا بها وكان أجمل وأفضل وأشرف ما في هذا التاريخ هو الانسان المصري والشعب المصري عموما والذي عرف عنه الكثير من الأخلاق والصفات الحميدة من حب الوطن والإخلاص له والتفاني وتقديم الغالي والنفيس له حتى يفنى فيه، عرفنا عن المصري أنه الأصيل، الخير، الخلوق، الشريف، الذي يعرف واجباته تجاه دينه وأهله ووطنه، وبالطبع النفس الانسانية لا تخضع لمقاييس واحدة فالنفس البشرية بها من الاختلاف الذي يجعل الخير والشر موجودين بالجميع وبنسب متفاوتة، فمن الممكن أن تسمع عن بعض الصفات السيئة وهناك من نتغاضى عنه ونسامح فيه وهناك ما دون ذلك مثل خيانة الوطن والتاريخ يمجد الأبطال الذين وهبوا حياتهم في حب أوطانهم ويمحق كل خائن باع وطنه نظير مال أو جاه، ومع الوقت ومرور السنين كبرنا ونضجنا ونضجت مفاهيمنا وثقافتنا وفهمنا أن كل الشعوب وكل الأوطان بل جميع البشر ليسوا بملائكة فيهم كل المتناقضات الحياتية من الحسن والقبح والخيروالشر، وسمعنا مصطلحا مهما جدا هو «أولاد البلد أو ابن البلد» وهو يحمل في طياته كل معاني الرجولة والشهامة والأصالة وفي الغالب يطلق هذا المصطلح على من تربوا في بيئة محافظة أو بيئة شعبية تقدر التربية الأصيلة وتحاول زرعها في أبنائها، وتجد المصري معروفا دوما بشهامته وأصالته ووقوفه مع الحق ومناصرة الضعفاء والأخوة في وقت الضيق، تربينا على ذلك وسعدنا به بل وافتخرنا به بين الأمم، وعندما نسمع أغنية وطنية تمجد في الوطن وأهله تقشعر أبداننا وتدمع عيوننا من فرط الاحساس بالحب والانتماء والفخر، ومع كل حدث سواء نصر أو هزيمة تجد هذه المشاعر الجياشة لا تتوقف فالانتماء والحب مشاعر تزرع داخلنا وتسري في أبداننا مسرى الدم، لذلك عندما أسمع شيئا يسيء إلى بلدي أو أهل بلدي أشعر بغصة وحنق وأكذبها للوهلة الأولى دون تفكير، ومع التروي والنضج وجدت أنه لابد أن نقف موقف الحياد مع مشاعرنا وفطرتنا وبديهياتنا التي تربينا عليها، فليس من المنطقي أن الجميع بخير، والدنيا دوما على هذه الأحوال يوم مر، ويوم حلو وإنسان جيد وإنسان سيئ ووجدت أنه الأفضل لنا حتى نكون بالفعل من خيرة الناس أن نواجه أخطائنا وسلبياتنا، فرغم الموروث الطيب الذي تربينا عليه إلا أنه أصبحت هناك موروثات أخرى سيئة أعتقد أن هناك عوامل خارجية ساعدت على انتشارها ولاشك أننا أيضا اسهمنا في ذلك عن أخلاقيات وصفات المصري، وعن تجربتي الخاصة في ذلك وجدت بعضاً من هذه المساوئ ولكنها لا ترقى لأن تكون عائقا في إيماني العميق بالشخصية المصرية الأصيلة التي تخضع لكل المتغيرات الانسانية رغم أي شيء، ولكن عندما سافرت للخارج كانت التجربة أشمل وأوسع وعمدت إلى أن أحاول تفسير كل السلوكيات التي تواجهني وخاصة السلبيات التي لها صدى مسموع عن الشخصية المصرية فعلي سبيل المثال عندما كنت أستعد للرحيل عن مصر وأنا أعلم جيدا أن المصريين في الخارج يكونون أكثر ألفة وتضامناً فيشعرون أنهم أهل ووطن بعضهم لبعض ومن المعروف أن الشعب المصري هو أكثر شعوب العالم حبا وانتماء لوطنه والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن صدمت بجملة أو معلومة شهيرة جدا وفاسدة جدا ومفادها أن المصريين بالخارج يقفو بعضهم ضد بعض ويبقون دوما في دوامة هذا التخوف، وهذا أسوأ ما في الغربة، الحقيقة أني حزنت كثيرا عند سماع ذلك وقلت أنه إذا كان هذا المفهوم يمرر إلينا سلفا قبل السفر فهذا التراث المنقول للأسف يجعلنا دوما في تخوف من التقرب بعضنا إلى بعض ووجدت بالفعل ذلك عند سفري للخارج ولكن مع مرور الوقت تأكدت أن المصري الأصيل لا تغيره الظروف ولا قسوة الحياة وللأسف وجدت أن كثيراً من المصريين ساعدوا على تنامي هذا المفهوم وذلك بأننا ننشر السيئ أكثر بكثير من الجيد لذلك فالصورة المنقولة تكون مغايرة للواقع كما في القول المأثور» عشر فضائل لا تكفي أن تكون فضيلا، ورذيلة واحدة تكفي أن تكون رذيلا»، لماذا لا نسمع كثيرا كما كنا نسمع من قبل عن أمجاد ومواقف المصريين بالخارج، كأن تجد مثلا المغترب المصري الذي يقيم عند أصدقائه وأهله يتكفلون به وباحتياجاته من مأكل ومسكن حتى يجد عملا مناسبا حتى لو كلفهم ذلك الكثير، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا وأعتقد أنه يجب أن ترى النور حتى لا تكون طي النسيان ويجب على الجميع العمل على نشر مثل هذه الأمثلة، ويجب دوما على المصري أن يتذكر ذلك ويسعى له ويحاول أن يكون سفيرا لبلاده في الخارج لتصدير الصورة الطيبة عن المصري للغريب قبل القريب ليعلم الجميع وأولهم المصري ذاته أنه مازال وسيبقى هذا الإنسان الأصيل طيب القلب، حسن المعشر، حلو اللسان، قوي الشكيمة، الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، هذا ما سمعناه وما عاهدناه على المصري والذي أشهد الله والعالمين أنه لا يزال بخير وسيبقى بخير.
Omarfawzi3041966@gmail,com
نشر فى جريدة النهار الكويتية