الاخبارية – وكالات
كان اللبناني أحمد فحص يظن أنه لن تلم به طامة أكبر من إصابته بالسرطان حتى بدأ فجأة، وبينما كان في العمل ذات يوم، القصف الجوي الإسرائيلي يستهدف بلدته النبطية في جنوب لبنان.
وحين رأى الرجل الذي يمتلك نشاطا اقتصاديا صغيرا الفوضى الشائعة حوله، أدرك أنه لابد أن يرحل هو وأسرته.
وقال فحص خلال تلقيه العلاج من السرطان في معهد نايف باسيل للسرطان في المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت بينما كانت شقيقته تجلس بجوار سريره “كنا قاعدين ببيوتنا ولدينا شغل، هلأ (الآن) ولا شيء”. ولم يكد يكمل الجمله حتى دمعت عيناه وحاول ألا يجهش بالبكاء.
وشنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على جنوب لبنان في سبتمبر أيلول، بعد عام تقريبا من تكثيف مسلحي جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل بينما كانت فيه القوات الإسرائيلية تقاتل مسلحي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بعد هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
وتحاول واشنطن التوسط لوقف إطلاق النار لكن إسرائيل تقول إنه يتعين عليها أن تظل قادرة على الدفاع عن نفسها. وتقول إسرائيل إن جماعة حزب الله تستخدم المدنيين دروعا بشرية وهو ما تنفيه الجماعة.
ولم يعد فحص، وهو أب لطفلين مراهقين وكان يمتلك أربعة ورش للحام في النبطية، الآن يعرف متى سيتمكن من العودة إلى منزله فحسب، لكنه أيضا لا يعرف إلى متى سيستطيع الحصول على العلاج من سرطان ساركوما النادر الذي يؤثر على النسيج الضام في ذراعه اليسرى.
وقال إنه كان يذهب إلى بيروت لتلقي العلاج لمدة ثلاثة أيام ثم يعود إلى المنزل أما الآن ومع اندلاع الحرب فقد اضطر إلى النزوح.
وأضاف “كنت بأجي لهون (آتي إلى هنا بيروت) تلات (ثلاثة) أيام وقت العلاج إجمالا وباروح عند عيلتي شوية”.
ويوجد آلاف من مرضى السرطان ضمن أكثر من مليون شخص فروا من منازلهم، وكلهم يكافحون من أجل النجاة بين مطرقة المرض المهلك وسندان النزوح.
وفر فحص مع عائلته إلى أنطلياس في جبل لبنان ولم يكن معه إلا 4500 دولار فقط وهو مبلغ يتناقص سريعا.
ويعتمد فحص الآن على صندوق دعم مرضى السرطان التابع لمعهد نايف باسيل للسرطان، وهو مبادرة خيرية أُطلقت في عام 2018 لمساعدة مرضى السرطان، وتقدم الآن أيضا دعما إضافيا للنازحين.
وقال فحص إن العلاج مكلف ولولا مساعدة المركز الطبي ما كان سيستطيع تحمل نفقاته.
ولكنه يشعر بالقلق من نفاد التمويل. وقال إنه إذا عادوا إلى منازلهم ستتحسن الأمور لكن إذا ظلوا نازحين فسيكون تحمل الكلفة مستحيلا.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن أكثر من 2500 نازح مصاب بالسرطان اضطروا للبحث عن مراكز علاج جديدة بعد أن توقف عن العمل ثمانية مستشفيات على الأقل في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت بسبب القصف الإسرائيلي.
وكان علاج السرطان مكلفا أصلا في ظل نظام الرعاية الصحية في لبنان الذي مر بظروف صعبة في السنوات القليلة الماضية بسبب الأزمة الاقتصادية.
وقال علي طاهر، مدير معهد نايف باسيل للسرطان إن المعهد يعاني الآن من ضغوط شديدة وعلاج المرضى النازحين يواجه صعوبات أكثر منها صعوبة الحصول على سجلاتهم الطبية وعدم القدرة على التواصل مع أطبائهم السابقين.
وأضاف طاهر “ما عنا (ليس لدينا) بنية تحتية بالدولة بشكل مظبوط، وما عنا أدوية (عقاقير) بشكل موجود للكل، وبعده لهلأ شوية أحسن من قبل… ما عنا السجلات تبعهم، فيه مشكلة كتير أساسية (في القدرة على التواصل) مع الحكمة تبعهم (أطبائهم السابقين)”.
ونزحت غزالة نداف (67 عاما)، من قرية دبل في جنوب لبنان. وتعيش الآن مع شقيقها في بيروت، وقد فقدت مساعدة الصيدلانية السابقة وظيفتها ولم تعد قادرة على تحمل تكاليف علاجها من السرطان النخاعي المتعدد لمدة شهرين.
وقالت “أنا مبدئيا عم باجي باتعالج هون. خيي (شقيقي) بيهتم فيا بيجي من الجنوب باقعد عنده… بيهتم فيا وصار فيه نزوح وحرب وخلاني عنده من النازحين من الجنوب نحن من دبل على الحدود الإسرائيلية.
“كل تلات شهور عندي فحص دم.. 100 دولار… بأصير أجمع من هون ومن هون كي أصير أعمل العملية، لاعمل فحص دم بس”.
وأضافت أنها تحتاج أيضا إلى عملية زرع نخاع عظمي تكلف 50 ألف دولار وهي تكلفة لا تتحملها.
وقالت هلا الدحداح أبو جابر، رئيسة ومؤسّسة صندوق دعم مرضى السرطان للبالغين إن مرضى السرطان النازحين يضطرون إلى الاختيار بين الضروريات الأساسية وعلاجات الأمراض التي تهدد الحياة، وكثيرون منهم لم يعد بإمكانهم تحمل نفقات العلاج.
وأضافت “السرطان لا ينتظر، السرطان ليس مرضا يمنحك الوقت، إنه قاس”.