كثيرٌ من الفنانيين والرياضيين والمفكرين ذاعوا اسماً ولمعاناً، غير أنهم لما ماتوا مروا على السمع كراماً، بيد أن هنالك آخرين عاشوا حياتهم طولاً وعرضاً، متربعين على قلوب الناس إجباراً، فلما ماتوا ألمت لفراقهم القلوب ترحماً وإجلالاً، وإني لأرى الندرة النادرة لهذا الصنف من بني البشر إجمالاً، تأخذني السطور تدرجاً للبوء بإحدى اللواتي خضن التجربتين نجاحاً، أتحدث في هذه السطور الخاطفة عن التي مثلت فنجحت في منظور مؤيديها، وغنت فأبهرت في حكم عاشقيها، فلما اعتزلت وندمت تابت وأنابت بشهادة هادييها، فما أجمل أن يحسن خلاصها لتلاقي ربها تناجياً وقرباناً، إنها شادية تلك السيدة التي تحل ذكرى وفاتها السابعة الليلة، تلك التي عاشت حياة بين شطرين بضدين مختلفين، والتي أثرت وأقنعت كليهما بوضوح مبين، نجحت شادية بمنظور أهل الفن قديماً ومعاصراً، نجحت مطربة بمعتقد أهل الطرب سلفاً وخلفاً، فهؤلاء اقتنعوا بها موهوبة خفيفة الظرف، وهؤلاء خلدوا مغناها مرهف الحس رقيق العزف، عاشت شطرها الأول تمثل تمثيلاً يحيد كل الحيدة عن المأمول عرفياً وأخلاقياً، شأنها شأن كل بنات جيلها من الممثلات سوياً، ورغم ذلك تخللت أعمالها لمحات لكلمات ملهمات مؤثرات شاجنات في أغاني الأمومة والفضيلة والوطنية، ولكونها ذات قلب يتوجع بالألم ويفزع بالندم، فقد وضعت لحياتها الفنية ختاماً مصحوباً بتوبة نصوحاً، في عام 1986م أدارت شادية ظهرها لماضيها إعراضاً، لتبدأ حياة التوبة والإنابة والتبتل بالصالحات إلى خالقها إقبالاً، عكفت على الصلاة والصوم وقراءة القرآن وأعمال الإحسان قولاً وعملاً، تنصلت من ذكريات ماضيها الفني أشد تنصلاً وأجد تنكراً، قاطعت الأعمال الفنية والطربية مهما كان الأجر مغرياً، رفضت التكريم في المهرجانات الفنية رفضاً قاطعاً، فظلت لنحو واحد وثلاثين عاماً على وتيرة حياتية واحدة، منافية لحياتها عند النشأة الأولى، رحم الله شادية التي ما تركت ثغرة لكاره لها ، لا في حياة اللهو وهي صبية غير مهدية، أو بعدما ذاقت من حلاوة الهدى شربة هنية، رحم الله شادية التي قدرها أهل الفن وهي منهم بريئة، والتي محصها أهل الدين والعلم وهي لهم مَدينة، رحم الله شادية بمقياس شطر حياتها الثاني وهي ترتدي ثوب العفة، وهي تتذلل وتتبتل لربها في أعظم خشية، وهي تناجيه وترجوه وتتوسل إليه بأجمل لهفة، هنيئاً لشادية حسن خاتمتها على أيدي الصالحين وأصحاب الفضيلة….