نحتفل اليوم مع زملائي في “عقيدتي” بعيد الميلاد الثالث والثلاثين لهذه الصحيفة الغراء، التي كانت حلما كبيرا بعيد المنال، وصارت حقيقة كما الشمس في رابعة النهار، واستطاعت أن تصمد أمام أعتى الأنواء التى استهدفتها منذ يومها الأول، وذلك بفضل من الله جل شأنه، ثم بجهد ومثابرة من أساتذة كرام مخلصين، ائتمنهم الله على رسالتها، فكانوا خير مؤتمن.
ما أسعدنا اليوم بـ”عقيدتي”، التي شرفت بالمشاركة في تأسيسها منذ كانت فكرة، وهاهي اليوم شامخة سامقة، “كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها”، تنشر الدعوة الإسلامية الهادفة، وتدافع عن ثوابت الدين والأخلاق، ومصالح الوطن العليا.
كل الأمنيات الجميلة لأسرة “عقيدتي”، وقرائها، ومحبيها، وعارفي فضلها.
XXX
قبل شهور كانت إسرائيل تعلن أنها لن توقف الحرب في لبنان إلا بعد أن تقضي تماما على حزب الله، وتدمر قدراته العسكرية، لكنها في النهاية اضطرت إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحزب، وادعى رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أنه حقق بذلك نصرا مبينا، رغم اعترافه بأن الاتفاق سوف ينعش جيشه المنهك، ويمنحه فرصة للراحة والتقاط الأنفاس، ويسمح له بالحصول على شحنات من الأسلحة تعويضا عما فقده في لبنان.
على الجانب الآخر ادعى قاسم نعيم الزعيم الجديد لحزب الله أن حزبه يعيش حالة من الانتصار و”التوفيق الإلهي” بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وأنه مازال متماسكا ومحتفظا بقوته، رغم أن هذا الاتفاق أعطى لإسرائيل الحق في مراقبة تسليح الحزب بغطاء أمريكي، ومنعه من أي حديث مستقبلي عن “جبهة الإسناد”، أو “وحدة الساحات”.
وفي مواجهة ادعاءات الطرفين نشرت صحيفة (ها آرتس) الإسرائيلية مقالا الجمعة الماضية بعنوان ( إيران وحزب الله خسرتا..لكن إسرائيل لم تنتصر) قالت فيه: “إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله يعني أن الحرب في لبنان انتهت على الأرجح، ومن المؤكد أن حزب الله وإيران قد خرجا خاسرين، لكن هذا لا يعني أن إسرائيل انتصرت بأي شكل من الأشكال، فقد قيل للشعب الإسرائيلي إن الجيش يخوض الحرب من أجل الأمن، وسيقال له الآن إن الأمن قد تعزز إلى حد كبير، واستعدنا قدرتنا على الردع، وتم تصحيح توازن القوى في المنطقة، وهذا كله سراب، فالإسرائيليون لم يحصلوا على الأمن، بل على وهم الأمن، ولم يتم حل أي من الأسباب الأساسية للصراع”.
وبصرف النظر عن حسابات المكسب والخسارة، فإن الشواهد تؤكد أن الاتفاق هش، وسوف يواجه اختبارات لا حصر لها، ومن السهل أن ينهار قبل أن يكتمل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، كما أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة سيظل يمثل تهديدا لاستقرار المنطقة بأسرها، ومن الممكن أن يشعل الحرب في أي موقع، وينسف أي اتفاق دون سابق إنذار.
وقد كان نتنياهو واضحا حين قال وهو يعلن قبول الاتفاق: “إن وقف إطلاق النار لايعني أننا لن نستأنف الحرب، كل مافي الموضوع أن الهدنة سوف تمكن إسرائيل من التركيز على التهديد الإيراني، وتسمح للجيش بتجديد مخزوناته”.
والحقيقة أن الاتفاق (الهدنة) لم يعط نتنياهو انتصارا كاملا، وإنما أعطاه نصف انتصار، ولم يحقق له الأهداف التى كان قد أعلنها من قبل، إذ لم يستطع كسر شوكة حزب الله ونزع سلاحه بالكامل، ولم يضمن لسكان المستوطنات الشمالية عودة مباشرة إلى بيوتهم، وهذا ما حمل المؤيدين والمعارضين على توجيه أقسى عبارات التوبيخ إلى نتنياهو وحكومته.
أيضا لم يكن الاتفاق نصرا لحزب الله، كما لم يكن هزيمة كاملة، فقد حرمه من حرية الحركة، كما حرمه من خطوط الإمداد المفتوحة من الخارج، وجعله مقيدا بمواقف ومحددات الدولة اللبنانية الرسمية، وليس خارجا عليها أو منفصلا عنها كما كان.
لقد أعطى الاتفاق لكل طرف هدنة مؤقتة يستعيد فيها لياقته، ومن المؤكد أن انفجار الأوضاع المفاجئ في سوريا سيكون عاملا مهما في تحديد مستقبل الاتفاق، فلربما تجد إسرائيل في هذا الانفجار فرصة لممارسة مزيد من الضغط على حزب الله، وقطع الشريان الذي يربطه بإيران، وتختلق من أجل ذلك مبررات كاذبة، ولربما ينتفض حزب الله فجأة في تحرك انتحاري حينما يجد نفسه محصورا بين (فكي كماشة).
وفي هذه الأجواء الملبدة يتجدد الحديث في أمريكا وإسرائيل عن صفقة لوقف إطلاق النار في غزة، وتتعالى أصوات أهالي الأسرى تطالب باتفاق سريع، ويرد نتنياهو بأن الظروف قد نضجت للوصول إلى اتفاق، بينما يتحدث اليمين الإسرائيلي المتشدد عن الفرصة السانحة لاحتلال غزة والاستيطان فيها وتهجير أهلها طوعا أوكرها.
ويظل الأمل وسط هذا الضباب متمثلا في صمود المقاومة الفلسطينية الباسلة، وقدرتها على أن تضرب وتوجع، وتتمسك بمواقفها، وفي زيادة التأييد الشعبي العالمي لقضية الشعب الفلسطيني العادلة، والضغط الذي تمارسه المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، خصوصا بعد إعلان وزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون أن عددا من العسكريين الإسرائيليين اعترفوا بممارسة وحداتهم للتطهير العرقي في غزة.
ودروس التاريخ تؤكد أن صمود المقاومة يغير العالم، فقد انتصرت المقاومة في جنوب إفريقيا على نظام الفصل العنصري، وخرج نلسون مانديلا من السجن بطلا قوميا جديرا بجائزة نوبل للسلام، لأنه بقي على موقفه، واستطاع بصموده أن يغير العالم دون أن يتغير، وتلك هي العبرة؛ مهما كانت مواقف العالم فإن صمود المقاومة يغيرها ولو طال الزمن، فالحق يعلو ولا يعلى عليه، وسيأتي اليوم الذي ينتبه فيه العالم للمقاومة الفلسطينية وبطولاتها، ويسقط الاستعلاء اليهودي كما سقط نظام الفصل العنصري.