يبدو ان الترجمة المعاصرة تجنح في اختياراتها نحو عنوان الكتاب المجذب للقاريء وليس محتواه الفكري والعلمي ، وهذا المبدأ وجدته في كتب عديدة مترجمة في السنوات الاخيرة ومنها هذا الكتاب موضوع مقالتي هذه .
عنوان الكتاب ( مسرح السايبورج تقاطعات الجسم/ التكنولوجيا في الأداء متعدد الوسائط) تاليف جينفر باركر ستاربك، وترجمة احمد عبد الفتاح ، من اصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي دورة 29 عام 2022 .. وبحسب المؤلفة ( ستاربك) التي تشغل حالياً رئيسة قسم المسرح والدراما في كلية هالوواي الملكية بجامعة لندن ، ان كتابها هذا ظهر بعد جهود خمسة عشر عاما ” من البحث في الأداء الذي يستخدم الوسائط المتعددة على خشبة المسرح وشاشات التلفزيون وعرض الشرائح والبيانات والخلفيات والخلفيات التي يتم اسقاطها ” ص 14 ، وتضيف المؤلفة موضحة ان تاليف الكتاب عندها هو محاورة مع الاخرين شانه شان المحاضرة ، محاورة موضوعات الكتاب وافكاره .. من هنا وددت محاورتها اولاً ، والكشف عن مفاصل ومحطات كتابها/ محاضرتها ، التي تشكر في مقدمته عشرات الأشخاص من الذين كانوا سببا في اخراج هذا الكتاب إلى النور .
تعرفنا وكتبنا اكثر من مرة عن مفهوم السايبورغ وتعاريفه وعبر مصادر متعددة توافرت والى الآن بالحد المعقول خلاصتها اقول : ان السايبورغ هو الانسان الذي يجمع في تكوينه الجسماني بين اللحم والدم ، والأداة التكنولوجية الرقمية هذه الاخيرة تعد حاجة فسيولوجية ثابتة او يستخدمها حين الضرورة حفاظا على بقائه حيا ، لان واحدة من صفات هذا الكائن السايبورغ من بين صفات الاخرى، هو لا يموت ، وهو يمثل حالة او ظاهرة ( مابعد الانسان ) بامتياز .
في هذا الكتاب تورد مؤلفته تعريفا جديدا للسايبورغ لايبتعد كثيرا عن ماقلناه سلفا ، تقول : ” السايبورغ هو الشخصية الافتراضية التي تمّ ابتكارها من خلال التداخل بين المواد العضوية وغير العضوية ( الجسم والتكنولوجيا) ” وتشبهه بالوحش في رواية فرانكنشتاين، وفي مكان آخر تنوه المؤلفة ان السايبورغ هو كائن افتراضي مزيج من مكونات عضوية والبيوميكا ترونك ( هي الميكانيكا الإلكترونية الحيوية) ، ويبدو ان المؤلفة افادت من تصريحات دونا هاراواي عن هذا المصطلح ، وقد سعت ايضاً – وهذا مانبحث عنه في كتابها- سعت إلى تصريحها عن مسرح السايبورغ : ” الذي يميز نفسه عن التسميات الاخرى في انه يشمل مجموعة من التبادلات تتراوح بين التكنولوجيا البسيطة إلى التكنولوجيا المعقدة في اداء متكامل منسوب إلى السايبورغ “
وبهذه الجملة ( منسوب إلى السايبورغ ) وليس السايبورغ المسرحي نفسه اصالة وفعلا مرئيا نقبض عليه وسط فضاء العرض المسرحي .. هذه الجملة ( منسوب إلى السايبورغ ) جملة ستكرر في الكتاب عشرات بل مئات المرات وهي الخرق الواضح لدينا في ان المؤلفة لم تقبض – ولن تقبض – على السايبورغ في المسرح وعلى مسؤوليتي ، فكل ماسيرد من امثلة تستند عليها مؤلفة الكتاب هي امثلة سينمائية من الافلام والمسلسلات والعاب الفيديو ، نعم ، فمثلما اكد كاتب السطور سابقا ، وفي اكثر من مقال وبحث ان السايبورغ اثبت نجاحه في استثماره سينمائيا او تلفازيا او في أفلام الكارتون والعاب الفيديو، لكن لايمكن تحقيقه او استثماره في العرض المسرحي في الان والهنا .. والدليل أننا سنتابع محطات الكتاب وفصوله وطروحاته البعيدة جدا عن عنوان الكتاب وموضوعه.
وبحسب ( جينفر باركر ستاربك) ان كتابها هذا تشكل في خيالها استحابة لاسئلة طرحت عليها من خلال عرض مسرحي شاهدته – بدون ذكرها لهذا العرض – أثناء رؤيتها للتضافر بين الاجسام والتقنيات على خشبة المسرح ( باعتبارها) سايبورغ ، أؤكد هنا على ( باعتبارها) بمعنى هي لم تكن سايبورغ في الحقيقة والأصل . وفي مكان آخر تردد المؤلفة ( صدى مسرح السايبورغ) حين تطرح الأمثلة الاخرى من المسرحيات ، التي تدور في فلك توظيف الالة التكنولوجية في العرض المسرحي وليس في الشخصية المسرحية السايبورغ ولنا في ذلك امثلة كثيرة عالميا وعربيا طرحناها نحن سابقا ، واحاديث كثيرة وصفحات اكثر في الكتاب تدور عن السايبورغ القصصي والروائي والسينمائي مع الامثلة المتوافرة وهي كثيرة طبعا .
وتتوقف المؤلفة كثيرا في تناولها لتوظيف الشاشات في المسرح او ماتطلق عليه ( مسرح الشاشات) وهي مجرد تصورات فضلا عن أمثلتها عن الروبوت دائما وليس السايبورغ واشاراتها المتكررة للعروض المسرحية التكنولوجية والعروض ثلاثية الأبعاد وتجارب الواقع الافتراضي وعروض مسرح الانترنت وتكرار جملة ( منسوب إلى السايبورغ ) عن اي مثال لعرض مسرحي تورده هنا في كتابها ، لدرجة أنني أضع عنوانا لكتابها هذا يتناسب مع فحواه ، وهو ( المسرح المنسوب إلى السايبورغ) وليس ( مسرح السايبورغ ) .
ولكي تكون في عمق السايبورغ ومفهومه راحت تتحدث وفي الفصل الرابع من كتابها عن الفيلم السينمائي ( أفاتار) انتاج 2010 وهذا طبيعي كما بين كاتب السطور في ان السينما وسيط مقنع لاستثمار السايبورغ على عكس العرض المسرحي في عدم التحقق وعدم القناعة، إلا إذا تم استخدام السايبورغ في العرض المسرحي نفسه عبر شاشة سينمائية او داتاشوب لعرض مشاهد لشخصيات سايبورغية ودمجها مع مشاهد العرض الحية ، هنا فقط يمكن القول انه تم استخدام السايبورغ في المسرح وبقناعة موضوعية تامة ، اما غير ذلك فلايمكن مطلقا .
وفي ملاحظتها الختامية تعبر مؤلفة الكتاب عن رغبتها في ان تصبح هي سايبورغ ، ان تصبح ذاتا تقنية ، وهذا من حقها فالاحلام مباحة للجميع ، لكن ليس من حقها اغراؤنا بعنونة كتابها هذا دون الامساك بالعنوان في محتوى الكتاب وجوهره الفكري تنظيرا وتطبيقا .