الاخبارية – عادل احمد
تعد قناة بنما واحدة من أهم المعابر المائية في العالم، إذ تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. منذ إنشائها في أوائل القرن العشرين، شكلت القناة نقطة جذب للصراعات الجيوسياسية والاقتصادية بين القوى العالمية. يسلط هذا التقرير الضوء على تاريخ الصراع حول قناة بنما، من مراحل بنائها إلى السيطرة عليها، والتحديات السياسية التي واجهتها.
أصل الصراع: بدأ الصراع على قناة بنما في أواخر القرن التاسع عشر، عندما أدركت القوى البحرية العالمية أهمية إنشاء ممر مائي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ. في البداية، كان المشروع قيد التنفيذ من قبل الفرنسيين بقيادة المهندس فرديناند دي ليبيري، لكن المشروع فشل بسبب صعوبات هندسية وتفشي الأمراض مثل الملاريا وحمى صفراء.
في عام 1904، انتقلت السيطرة على المشروع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي قررت استكمال بناء القناة. بحلول عام 1914، تم افتتاح قناة بنما، لكن الصراع لم ينتهِ عند هذا الحد. بل استمر في سياقات سياسية وعسكرية مع مرور الوقت.
الهيمنة الأمريكية والسيطرة: بعد بناء القناة، قامت الولايات المتحدة بالسيطرة على المنطقة المحيطة بالقناة بموجب اتفاقية “هاي-بونا فيلا” في عام 1903، التي منحت واشنطن الحق في بناء وإدارة القناة، بالإضافة إلى السيطرة على منطقة القناة التي تقدر مساحتها بحوالي 10 ميل مربع. استمر هذا الوضع لعدة عقود، وواجهت الولايات المتحدة خلال تلك الفترة تحديات داخلية وخارجية تتعلق بالسيطرة على القناة.
التحولات السياسية: في عام 1977، بدأ التحول الجذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه قناة بنما عندما وقع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر اتفاقية بنما مع الحكومة البنمية. هذه الاتفاقية، التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات طويلة، نصت على نقل السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما بحلول عام 1999. كانت هذه الخطوة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، حيث اعتبرها البعض تراجعًا عن الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
التحديات الحديثة: في الأعوام التي تلت تسليم السيطرة إلى بنما، أصبحت القناة نقطة استراتيجية هامة في حركة التجارة الدولية. وقد شهدت القناة تحديثات وتوسعات كبيرة لتلبية احتياجات التجارة العالمية المتزايدة، بما في ذلك توسيع قناة بنما في عام 2016 لإفساح المجال للسفن الأكبر حجماً.
ومع ذلك، لا يزال الصراع على القناة قائمًا في ظل التنافس الاقتصادي المتزايد، خصوصًا في ظل النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة، حيث تتطلع الصين إلى توسيع استثماراتها في بنما والمنطقة ككل.
تظل قناة بنما رمزًا للتحولات السياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة على مر العصور. ومع تطور الاقتصاد العالمي والتنافس بين القوى الكبرى، تظل القناة محل اهتمام ومراقبة دولية مستمرة. يعد الصراع حولها أكثر من مجرد صراع حول الموارد أو الجغرافيا، بل هو صراع حول النفوذ الاستراتيجي في العالم.