في بلادٍ كانت تُعرف بجمالها الأخاذ وثرائها الثقافي، حيث تشرق الشمس كل صباح على وادٍ خصبٍ يرويه نهرٌ عظيم، كان يعيش شعبٌ عظيمٌ في الماضي، لكنه الآن يعيش في ظلِّ ظلامٍ صنعه بنفسه. كانت هذه البلاد تُشبه جنةً على الأرض، لكنها تحولت إلى سجنٍ كبيرٍ بفعل سوء النوايا وفساد القلوب.كانت السماء تَبكي أحيانًا على حال هذه البلاد، فتسكب دموعها على الأرض، لكن حتى المطر بدا وكأنه يهرب من سمائها، تاركًا إياها جافةً وقاحلة. كانت الأشجار تئنُّ من الظلم الذي تعانيه، والطيور تهاجر إلى أماكنَ أخرى، تاركةً وراءها أعشاشًا فارغةً تذكِّر الجميع بأن الحياة كانت هنا يومًا ما.في قلب هذه البلاد، كان يعيش رجلٌ يُدعى “نور”. كان “نور” يحمل اسمًا يُشبه سراجًا في ليلٍ حالك، لكنه كان يشعر بأنه يعيش في ظلامٍ دامس. كان يعمل مهندسًا زراعيًا، وكان يحلم بأن يُحيي الأرض التي ماتت بفعل الإهمال والفساد.كان “نور” يعلم أن الأرض قادرةٌ على العطاء إذا ما عُولجت بالعلم والإخلاص. لكنه كان أيضًا يعلم أن المشكلة ليست في الأرض، بل في الناس الذين يعيشون عليها. كانت النوايا السيئة تُشبه سحبًا سوداء تحجب نور الشمس، والصدور المظلمة تُشبه صخورًا صلبة تمنع جذور الأمل من النمو.قرر “نور” أن يبدأ بمشروعٍ صغير. أراد أن يُحيي قطعة أرضٍ صغيرة بالقرب من النهر، ليكون نموذجًا يُحتذى به. جمع بعض الشباب المتحمسين، وبدأوا في تنظيف الأرض وزراعتها. كانت الأيام الأولى مليئة بالأمل، وكأن الأرض بدأت تتنفس من جديد.لكن سرعان ما ظهرت العقبات. جاء بعض المسؤولين المحليين وطلبوا رشاوى لاستكمال المشروع. رفض “نور” أن يدفع، فبدأوا يعرقلون عمله. ثم جاء بعض الجيران الذين شعروا بالغيرة من نجاحه، وبدأوا ينشرون الشائعات بأن “نور” يستغل الأرض لصالحه الشخصي.مع مرور الوقت، بدأ “نور” يشعر بأن الظلام يحيط به من كل جانب. كانت الشائعات تُشبه سكاكينَ تخترق قلبه، والاتهامات الباطلة تُشبه ثقوبًا في سفينته التي كانت تحاول الإبحار نحو الأمل. حتى الشباب الذين كانوا يعملون معه بدأوا يتراجعون، خوفًا من أن تتأثر سمعتهم بالشائعات.قال أحدهم لـ”نور”: “لماذا تُجهد نفسك؟ الأرض لن تعود خضراء أبدًا، والناس لن يتغيروا.”لكن “نور” كان يعلم أن المشكلة ليست في الأرض، بل في النفوس التي أصبحت قاحلةً مثل الصحراء. كانت عتمة الأرواح تُشبه غيومًا سوداء تحجب كل بصيص أمل.بعد سنواتٍ من المحاولات الفاشلة، قرر “نور” أن يهاجر إلى بلادٍ أخرى. كان يشعر بأنه لم يعد قادرًا على تحمل الظلم والفساد. قال لنفسه: “لقد حاولت أن أُغير، لكن الظلام هنا أعمى. النوايا السيئة والصدور المظلمة جعلت هذه البلاد طاردةً للبشر وللحياة.”عندما غادر “نور”، كانت الأرض تئنُّ من الفراق. كانت الأشجار تُلوح له بأغصانها، وكأنها تقول: “لا تتركنا.” لكن “نور” كان يعلم أنه إذا بقي، فسيكون مثل شجرةٍ بلا جذور، تذبل يومًا بعد يوم.بعد رحيل “نور”، أصبحت البلاد أكثر قحولةً من قبل. كانت الشمس تشرق كل يوم، لكنها بدت وكأنها تشرق على أطلالٍ بلا روح. كانت الطيور تهاجر، والأشجار تموت، والناس يعيشون في ظلِّ الخوف والظلم.كانت البلاد تُشبه جسدًا بلا قلب، أو كتابًا بلا كلمات. حتى النهر العظيم بدأ يجف، وكأنه يرفض أن يروي أرضًا أصبحت قاتمةً بفعل البشر.عاش “نور” في بلادٍ أخرى، حيث وجد النور الذي كان يبحث عنه. كان يعمل في مشاريعَ زراعيةٍ كبيرة، ويُسهم في تنمية الأرض والناس. لكنه لم ينسَ أبدًا بلاده التي تركها. كان يعلم أن المشكلة لم تكن في الأرض، بل في النفوس التي أصبحت مظلمةً مثل الليل.في إحدى الليالي، نظر “نور” إلى السماء ورأى نجمًا بعيدًا. قال لنفسه: “هذا النجم يُشبه بلادي. كان يومًا ما مشرقًا، لكن الظلام ابتلعه. نحن من جعلنا بلادنا طاردةً للبشر وللنمو وللتنمية، بسوء نوايانا وبظلمة صدورنا وبعتمة أرواحنا.”وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تهاجر حوالي 2.5 مليون شخص سنويًا من الدول النامية بسبب الفساد وغياب التنمية.تشير الإحصائيات إلى أن 60% من الشباب في الدول العربية يفكرون في الهجرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.تظهر الدراسات أن 70% من الأراضي الزراعية في بعض الدول النامية تُهمل بسبب الفساد الإداري وغياب الدعم.
هذه القصة تُذكرنا بأن البلاد تُبنى بالإخلاص والنوايا الطيبة، وأن الظلام الذي نصنعه بأيدينا هو الذي يطرد النور والحياة.