لو اسرائيل دولة ديمقراطية فعلا- كما تدعى- لقدمت أجهزة الادعاء بها مذكرة محاكمة عاجلة لمجرمى الحرب الصهاينة وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو.. ومحاكمة نتنياهو وعصابته الإجرامية داخل إسرائيل لن تتم بالتأكيد على ما ارتكبوه من جرائم ضد الانسانية وقتلهم لأكثر من 70 ألف فلسطينى معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير مقومات الحياة لأكثر من مليونين ونصف من البشر، وحرمانهم من الطعام والشراب والدواء وكلها جرائم أدانته بها محكمة العدل الدولية.. لكن تلك المحاكمة الصهيونية ستكون حتما على ما ارتكبت تلك العصابة المجرمة من جرائم ضد الكيان الصهيونى نفسه، وما ألحقت به من خسائر بشرية واقتصادية، وما جلبوه من سمعة سيئة للشعب اليهودى الذى يقتل ويدمر ويخرب بدم بارد، ولا يلتزم بأى معيار من معايير الحروب وأخلاقياتها.
لقد ارتكبت تلك العصابة المجرمة كل الجرائم ضد الشعب الفلسطينى الأعزل تحت شعار التخلص من حماس، وحماية إسرائيل منها، وبمجرد وقف إطلاق النار خرجت عناصر حماس بسياراتهم الحديثة، وأسلحتهم الكثيفة، وملابسهم النظيفة، وامتلأت بهم شوارع غزة مما يؤكد أن هذه الحرب الظالمة على الشعب الفلسطينى لم تحقق هدفا واحدا من الأهداف التى أعلنها مجرم الحرب نتنياهو، فقد عاش شعبه طوال 15 شهرا يستمع لأكاذيب ومزاعم وادعاءات باطلة .. وفى النهاية ظهرت الحقيقة المرة التى كانت بمثابة الصدمة الكبرى ليس للجيش الصهيونى وحده، ولكن لكل الشعب اليهودى داخل الأرض المحتلة وخارجها.
لقد أوهم نتنياهو العالم بأنه انتصر على حماس وطهر غزة منها وذهب الى الكونجرس الأمريكى مزهوا بنصر كاذب وصفق له الحمقى والذين استأجرهم فى ثمثيلية سخيفة.. ثم ذهب الى الأمم المتحدة وسط حاشية من الصهاينة الغوغائيين ليزهو بما حقق من انتصار وهمى.. ثم ظهرت أكاذيبه للعالم كله خلال الأيام الماضية فحماس موجودة على الأرض، وهى التى تتحكم فى كل شىء فى غزة حتى ولو فقدت العديد من قياداتها فى الخارج والداخل.
لقد فشلت آلة الحرب الصهيونية الغشيمة فى التخلص من حماس واستمرت فى قتل الأبرياء العزل فى غزة والضفة الغربية.. والأكثر ألما وحسرة على كل الصهاينة أنها ألحقت بهم أضرارا وخسائر بشرية واقتصادية وعسكرية هى الأكبر منذ حرب أكتوبر المجيدة التى نالت فيها العسكرية الصهيونية هزيمة حقيقية على يد أبطال مصر رغم الدعم الذى قدم لهم من أمريكا والعديد من الدول الأوروبية.
نعم.. لحق بالفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية خسائر فادحة ألحقت بشعوب العالم الحر الحسرة والألم وليس على العرب والمسلمين وحدهم.. لكن خسائر العدو الصهيونى كانت بالنسبة له هى الأبشع.. فوفقا لآخر الإحصائيات المعلنة من الجيش الصهيونى ( وهى احصاءات مشكوك فى مصداقيتها حيث لا تكشف حجم الخسائر الحقيقية) قتل نحو 891 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، وهو الرقم الأعلى منذ حرب 6 أكتوبر 73.. أما التقارير الاقتصادية فقد رصدت خسائر للكيان الصهيونى تتجاوز ال 120 مليار دولار خلال فترة العدوان على غزة.
بينما تكشف إحصاءات أخرى غير رسمية أن قتلى الجيش الصهيونى منذ بدء عملية طوفان الأقصى يزيد عن 3000 ضابط وجندى ومدنى، وهو رقم مفزع للكيان الصهيونى كله، فقد كانوا صيدا ثمينا لعناصر المقاومة حتى فى أحلك الظروف التى مر بها الشعب الفلسطينى وتكثيف الحملات العسكرية عليه برا وبحرا وجوا كان للجيش الصهيونى ضحايا وقد شاهدنا وشاهد معنا العالم كله كيف كان يتم اصطيادهم والانقضاض عليهم من بين الأنقاض فى مشاهد بطولية يعجز أى شعب عن القيام بها فى ظل مواجهة هذه الترسانة العسكرية الصهيونية المدعومة من أمريكا وأوروبا.
هذه هي “إسرائيل نتنياهو” علي حقيقتها .. مهزومة نفسيا وعسكريا حتى لو قتلت ودمرت وعاثت فى الارض فسادا.. كيان متطرف يحكمه متطرفون ويتحكم في مصيره عنصريون، وسيظل هكذا الي أن يقًود الله له بعضا من أبنائه العقلاء ليصححوا مسيرته، أو يقضي عليه المتطرفون.. وكم من قوي دولية ضاعت وأصبحت في غياهب النسيان وفي مزبلة التاريخ بسبب الاغترار بالقوة والانسياق وراء الشيطان.
يجب أن يدرك الشعب اليهودي حجم الجرم الذي ارتكبته العصابة الاجرامية التي تحكمه.. وحجم الجرم الذي ألحقته به الإدارة الأمريكية بإعطائها الضوء الأخضر للحكومة الصهيونية المجرمة في تل أبيب.. فما حدث في قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر وحتي يوم وقف العدوان منذ أيام، وما توعد به قادة الجيش خلال الأيام الماضية لن يمحوه شئ من ذاكرة العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص طوال التاريخ، وسوف يثأر الأبناء للآباء والأمهات والأجداد والأشقاء حتما، وعدالة الله في كونه تقتضي أن يقتص المظلوم من الظالم ولو بعد حين.
كلنا علي ثقة بأن يوم القصاص من إسرائيل قادم لا محالة لأن عدالة الله في أرضه تقتضي ذلك.
وإذا كان هذا هو شأن العدو الصهيونى ومن يناصره من الأمريكان والغربيين، فيجب أن يخجل الصهاينة العرب من أنفسهم، وأن يصمتوا صمت القبور، وأن يتواروا خجلا وحسرة وندما على مواقفهم، فنحن الآن لسنا فى موقف تقييم لما قامت به حماس فى السابع من اكتوبر الماضى، لأن حجم ما ارتكبه العدو الصهيونى من جرائم حرب ضد المدنيين جعل شعوب العالم تتحرك وتجوب شوارع أمريكا وعواصم أوروبا تنديدا بما ارتبكته إسرائيل من جرائم ضد الانسانية، فهى بالفعل جرائم غير مسبوقة تحركت أمهامها مشاعر اليهود المعتدلين فى العالم قبل أن تتحرك مشاعر غيرهم.
هذا الجيش الذى تجرد قادته وأفراده من كل المشاعر الإنسانية لا يشكل خطرا على الفلسطينيين وحدهم.. بل يشكل خطرا على العرب والمسلمين جميعا فهو يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والأطقم الطبية والمسعفين أمام العالم كله ولا يجد من يحاسبه وترك اسرائيل تمارس هذه الهمجية دون إدانة أو محاسبة سوف يشجعها على أن تفعل أكثر من ذلك مع العرب أجمعين.
سكوت العالم على ما ارتكبه العدو الصهيونى من جرائم فى غزة والضفة الغربية شهادة وفاة للضمير العالمى.
b_halawany@hotmail.com