الذي عرض على خشبة مسرح الرشيد في بغداد يومي ٢٠٢٥/١/٢٣،٢٢، إخراج وكوريوغراف :مرتضى علي، وسنيوغرافيا :علي محمود السوداني، والأداء التمثيلي الراقص : مهتدى باسم علي دعيم، ومرتضى علي، وفكرة حسين، الإضاءة : ناظم ومحمد ومصطفى، وتنفيذ الموسيقى؛ مجد حميد، وديكور : مهند وحيدر فاضل، وإدارة ومكياج والأزياء أحمد عدنان وأمير جواد وهشام جواد.
” اليوم الآخر “أحد عروض الرقص المسرحي الحديث والمعاصر يدور في إطار رمزي للصراع بين الحياة والموت داخل الإنسان ،لايتحكم به فقط، وإنما يتعايش معه ويدفعه للبحث عن الأمان في الحياة والأمان في الموت؛ لذلك يلجأ الإنسان لعبادة الله والإخلاص بالإيمان له، ولكل فئة معتقدات وشعائر تقوم بها للتعبير عن ذلك الإيمان للوصول إلى مقر الأمن و الإطمئنان في الحياة وبعد الممات، والفن هو وليد المجتمع وحيث يوجد الإنسان يوجدمعه لذلك يكون تعبير الفن عن جدلية الصراع بين الحياة والموت أما بالشعر والغناء، أو التمثيل والحوار، أو بالموسيقى والرقص مثل رقص الباليه، والرقص الصوفي والرقص المسرحي الحديث والرقص المعاصر في المسرح الذي ترافقه الإيماء والمشاهد المسرحية .
وقد عبرت مسرحية (اليوم الآخر) برمزيتها عن جدلية هذا الصراع وما يتولد منه من رموز ثانوية ملازمة لصراع الحياة والموت مثل الإيمان ونقيضه، وصراع الجسد والروح، والقوة ومايلازمها من ثبات وعزيمة وحذر وثقة، والخوف ومايلازمه من ضعف وسقوط وتردد، وكذلك الظلام والنور، وقد جسد هذه الصراعات في المسرحية خمسة أشخاص، وعبروا عن ذلك من خلال الرقص المسرحي الحديث والمعاصر مع جزء من حركات الرقص الصوفي، إذ يرسم صورة الحياة ومشقتها وردائها الأسود الفاحم وحركتها الغربية ويصاحب هذه الحركة صوت الموسيقى المنسجم مع الحركة وكأن الفنان علي دعيم الذي أدى هذا الدور حركاته هي من تصدر صوت الموسيقى المرعب والذي يبعث القلق والتوتر لدى متلقيه وهذا مناسب جداً لإيصال فكرة رعب الحياة ومتاعبها ومشقاتها وصراع الإنسان فيها، وقد أدى دور الإنسان الفنان علي جابر، وجوده كإنسان يتصارع مع الحياة منذ تواجده في رحم أمه حتى ولادته ونشأته في الحياة وهو صافي الروح والبدن.
تبدأ المسرحية بعرض تقديمي لدور الشخصيات والعرض عبارة عن رقص منسجم مع إيقاع الموسيقى، وإضاءة موجهة نحو الهدف بغرض تقديم الشخصية ودورها من دون حوار، فالمخرج جعل الصوامت والحركات وصوت الموسيقى هي التي تتحاور وتقدم نفسها ، ليحقق التواصل الروحي بين الشخصيات الممثلة والمتلقي، ليأخذ المتلقي حريته في تفسير رمزية هذه الحركات وقصديتها، وسرعان ما تنتقل الأحداث إلى ذروتها، وتأخذ الشخصيات أدوارها من خلال الرقص وحركات الجسد بكل مرونة وكأنه روح خارجه عن حدود الجسد وقوانينه وحدوده، وتنقسم الشخصيات لترسم شكل الإيمان والقوة والثقة وجمال الروح وقدرتها والذي أدى هذه الدور الفنان مهتدى باسم، الذي خاطب الجمهور وتحاور معهم بروحه وحركاته تارة وبرقصه الصوفي تارةً أخرى، ويرافقه الفنان فكرت حسين الذي أدى دور الضعف والخوف وعدم الثبات، والتمسك بالشخصية المشابه لها من خلال رابط الحب، فالحب هنا قامت بالإيحاء عنه العلاقة بين الإيمان وقوته والضعف والخوف، وبنفس المكان والزمان أدى الفنان مرتضى علي دور الروح وهي تتأرجح مابين الحياة والموت من دون خوف أو تردد سالكةً لكل الطرق الخطرة، فهي أكبر وأغنى من ما ترسمه الحياة من مشقات وظلام، مقتربةً من الموت والذي أدى دوره الفنان علي جابر، وهذا المشهد الذي اجتمعت فيه الشخصيات برقص متناسق ومنسجم مع إيقاع الموسيقى مع اختلاف حركات الرقص بين الشخصيات للتعبير عن ذروة الحدث فهناك من جسد دورة الإيمان وقربه ومساندته للضعيف، وهناك من جسد الروح وقوة هيمنتها في الكون، وفي هذا الأثناء تهيمن على العرض فكرة أن الإنسان يولد في هذه الحياة صافي كالخامة البيضاء، وبعدها ينشطر إلى نصفين، نصف قوي ومؤمن بقدرة روحه وقدرة الخالق، ونصف متردد وخائف وضعيف وترعبه قوة روحه وبعد خطواتها وترعبه فكرة الروح هي الصديقة الوفية والقريبة من الموت وفي أي وقت تهديه الجسد كقربان للحب والصداقة، أما المؤمن القوي والمؤمن بقدرات جسده يجعل جسده طوعاً لعبادة خالق الروح والموت ومؤمن بصداقة روحه للموت، استطاع المخرج والسنيوغرافي إيصال هذه الرموز للجمهور من دون ملل، وإيصال الفكرة من دون غموض، إذ جعلوا حركات الرقص موحية بشكل واضح من خلال الثياب والاعتماد على السرد الحركي وبالأخص مشاعر الخوف والحب والندم، فضلاً عن نوع الموسيقى التي تتغير اطراديا مع تغيير حركة الفنانين ومصحوبا تغيير الموسيقى بتغير الإضاءة، وهذا مايبعد المتلقي عن الملل وصعوبة الفهم، علماً إن زمن العرض للمسرحية لم يتجاوز الخمسين دقيقة، وهذا الوقت مناسب لهكذا نوع من العرض، لأن يعتمد الحوار من خلال التواصل بين الأرواح (المرسل والمرسل إليه) من دون لغة، لأنها العودة إلى الأصل الذي نخلق فيه الإنسان قبل اللغة.