يصعب أن نتصور إنتاجية حقيقة مستدامة في أي مجال من المجالات دون اهتمام بالمورد المعلوماتي الذي أضحى من مقومات الدول المتقدمة، بل لا نغالي إذا ما قلنا بأنه المورد الرئيس لها؛ حيث يمثل مقوم رئيس للابتكار وأداة فاعلة في التحديث والتطوير؛ لذا صار الرأسمالي المعلوماتي مقدمًا على المورد المادي؛ فمن خلاله نصنع القيمة المضافة التي تعظم من صورة المخرج أو المنتج الذي نعمل عليه بشكل وظيفي.
ولنا أن نذعن بأن مهارات الابتكار التي يتملكها الإنسان يتأتى مصدرها من معلومات تشكل المدخل الرئيس للعمليات التي تسبق المخرج، وهذا يجعلنا نثمن قيمة المعلومات، بل ونهتم بصناعتها لنضمن توافر المدخل الابتكاري الذي يخلق مزيدًا من فرص العمل القائم على التفرد المهاري في كليته رغم التقدم التقني للآلة التي أضحت تحتل مكانة العنصر البشري بكل قوة وهيمنة.
وفي ضوء ما أوردنا نجد أن النظرة تغيرت تجاه المعلومة؛ فقد صارت سلعة عند الكثيرين، ولها طرائق للتسويق بغية تحقيق أقصى استفادة منها، كما لها مسارات تهتم بإنتاجها وتحليلها وتنظيمها، وهذا ما جعلها في بوتقة الصناعة؛ ومن ثم بات الاهتمام بها من مقومات تقدم الدول؛ فمن خلالها يمكن توفير المتطلبات والاحتياجات والوفاء بالتطلعات والآمال والطموحات على مستوى الفرد والمجتمع.
والاهتمام بصناعة المعلومات يؤكد الإصرار على تحقيق غايات نبيلة منها المقدرة على حل المشكلات التي قد تعاني منها كثير من الدول، بل ولا نغالي إذا ما قلنا تهدد كيان البشر قاطبة، وهذا ما فتح مسارًا أم اقتصاد جديد يحتاج أن نتنبه لمداخله؛ حيث يحتاج بالضرورة لبيئة حاضنة وداعمة لإنتاج معلومات لها قيمة تربو عن كثير من صور الاقتصاد المادي المعلومة لدينا.
وثمة ضرورة تقتضي الاهتمام بالمؤسسات التي تفرز لما نتاجًا معلوماتيًا يقوم على منهجية البحث والاستقصاء العلمي؛ حيث إنها تشكل المصدر الرئيس لهذا النمط من الاقتصاد، والذي يعود بالنفع المباشر على تنمية رأس المال المادي والبشري على السواء؛ ومن ثم يتوجب علينا أن نقدم كافة صور الدعم اللوجستي التي تمكن المؤسسات البحثية كي تؤدي مهمتها القومية.
وإذا ما صفنا الاقتصاد المعلوماتي بأنه ذات صبغة عالمية ينبغي أن يكون متاحًا للجميع كونه سلعة غير قابلة للاحتكار؛ إلا أن الواقع يشير إلى استغلاله ليصبح من مصادر الثروة والسلطة في آن واحد لدى من يمتلك هذا النمط المهم من الاقتصاد، وفي ضوء ذلك يجب ألا ننتظر استيراد المعلومات، بل ينبغي أن نصبح قادرين على إنتاجها لأنها تعد نقطة الانطلاق نحو الريادة والتنافسية في كافة المجالات.
وندرك جيدًا أن الجانب التقني بات أداة فاعلة في خلق اقتصاد معلوماتي، بل وأصبح قادرًا على تشكيل البيئة المواتية التي تمكن الإنسان من الابتكار في مجاله النوعي، وهذا ما يهيئ الفرصة الكاملة لكثير من الدول التوجه نحو تنمية هذا النوع من الاقتصاد؛ فقد حدثت طفرة لا يستهان بها في تدشين مشروعات تقوم على التقنية المعلوماتية معتمدة على أساليب ابتكارية ومرتبطة بمعيار خبراتي بما يضمن تحقيق المستهدفات المخطط لها أو المنشودة.
وقد باتت الشركة فرض عين مع كافة المؤسسات التي تسهم في خلق اقتصاد معلوماتي بالبلاد، وفي مقدمتها المؤسسات البحثية التي تضمن بطرائق متعددة وآمنة ومضمونة أن تحدث استثمارًا حقيقيًا للمعلومات عبر توظيف علمي ووظيفي للتقنية بما يزيد من الإنتاجية المعلوماتية ذات الطابع الابتكاري والتنافسي في ذات الوقت.
ويعد هذا استثمار فاعل للمؤسسات يمنحها الريادة ويعطيها الإرادة في أن تحقق أهدافها المبتغاة، بل ويمنحها فرص للريادة والتنافسية ويجعلها تتجاوز التهديدات والصعوبات والتحديات الداخلية منها والخارجية، كما يجعلها تتخلى طواعية عن الأنظمة الكلاسيكية البطيئة ويدخلها دائرة السرعة والدقة وفق فلسفة العمل المهاري الذي تقوم عليه أطر التقدم والنهضة.
وأثق بأن لدينا مقومات النهوض بهذا النمط من الاقتصاد؛ حيث نمتلك فعليًا الشبكات التي تساير التطورات الحالية والمستقبلية، ولدينا البنية التحتية التي تتسم بالحداثة ودقة التصميم، بما يمكنا من التخزين والاسترجاع والتوظيف والتقويم المستمر للمعلومات؛ لنصل إلى مرغوب فيها ذات مردود اقتصادي غير مسبوق، يتسق مع ماهية القيمة المضافة لتلك المعلومات.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر